رمز الخبر: 224081
تأريخ النشر: 01 May 2013 - 00:00

فن التعشق

المسرح الذي يتـّجه في منحي ثقافة التضحية و شكلها الخاص يعني الدفاع المقدس الذي في جانبه النظري امكانية اضفاء الطابع الديني علي الفن و سنحتاج في هذا البحث الي تقديم صورة محددة عن طبيعة الفن او حقيقة الفن. فعلية إن البحث الفني و الدقيق بشأن الفن الديني يتيسر عندما تنكشف لنا حقيقة الفن.


المسرح الذي يتـّجه في منحي ثقافة التضحية و شكلها الخاص يعني الدفاع المقدس الذي في جانبه النظري امكانية اضفاء الطابع الديني علي الفن و سنحتاج في هذا البحث الي تقديم صورة محددة عن طبيعة الفن او حقيقة الفن. فعلية إن البحث الفني و الدقيق بشأن الفن الديني يتيسر عندما تنكشف لنا حقيقة الفن. مع ذلك نظرةً إلي الطابع النسبي في التعريفات الموجودة بشأن الفن و الدين من الناحية الفلسفية فلا يجب أن نتوقع بأن يحظي مصطلح «الفن الديني» بالوضوح و الشفافية. و لكن مع جميع هذه الاوصاف بما اننا لاننوي تقديم توضيح عن الفن الديني اعتماداً علي التبيين الفلسفي فإننا نستطيع التدقيق في الفن الديني من وجه غير فلسفي و في هذا المنحي سنحاول طرح القضية باشكال أخري. السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو المعيار و الميزان لإضفاء الطابع الديني علي العلوم و مختلف الامور الاخري، و كيف يمكن أن تتصف ادراكاتنا و وعينا بالديانة، حتي يمكن بعد ذلك الحديث عن كيفية نقل مفاهيمٍ كمفاهيم التضحية و متي نتصف الواقعية الخارجية بالصبغة الدينية، كمثال علي ذلك: علي اي اساس يمكن اضفاء الطابع الديني علي الثقافة او الحكومة او علي أثر فني باعتبارها ضمن الواقعيات و اعتبارها الدينية؟ و بذلك عندما نسأل عن المعيار في إضفاء الطابع الديني علي العلوم و مختلف (الشؤون) ما هو المراد من «العلوم»؟ العلوم هي تلك الاشياء التي تكون من جنس العلم و الوعي بالمعني العام لذلك كالفلسفة، و علم الاجتماع و علم النفس و المراد من «الامور» هو الواقعيات الخارجية كالأثر الفني او الحكومة او الثقافة. فالإجابة علي هذا السؤال هناك اربع رؤي يمكن طرحها غير أن هذه الرؤي الاربعة لاتكون علي اساس الحصر العقلي و قد يمكن اضافة رؤي اخري علي ذلك. الرؤية الاولي كل علم عندما يولد بين مجتمع المتدينين بما انه قد انتج من جانب المتدينين يستطيع أن يوصف بالوصوف الديني. اذن عندما نقول: الفن الديني و الحكومة الدينية و علم الاجتماع الديني او الفلسفة الدينية يعني ذلك إن الفن و الثقافة و علم الاجتماع و الفلسفة التي اوجدت من جانب المتدينين. و لكن يبدو أن هذا الملاك و المعيار لاضفاء الطابع الديني علي العلم او علي الاثر الفني لايكون كافياً. و لنفترض أن مجتمع المتدينين قد قبل الحكومة الدكتاتورية ، فهل يمكن اعتبار هذه الحكومة بانها مصداقاً من الحكومة الدينية و الاسلامية ؟ لا، لأن مثل هذه الحكومة لاتتطابق مع اوصاف و خصائص الحكومة الإسلامية هكذا هو الحال بشأن الأثر الفني و الامور الاخري. و يعني ذلك ان كل عمل فني ينتج في المجتمع الديني من جانب الفنانين المتدينين لايعني بالضرورة فناً دينياً و اسلامياً و كان البعض قد تصور بأن الفن الاسلامي هو ما يتم انتاجه من جانب الفنان المسلم و كل ما تنتجه ذهنية هذا الفنان و ضميره و يده و لسانه يكون دينياً و اسلامياً. لكن الحقيقة تكون علي العكس من ذلك. لأن المسلمين و المتدينين و من ضمنهم الفنانين المسلمين يكونوا بشراً قبل كل شيئ و البشر هو ذلك الكائن الذي قد يخطأ و يرتكب الاثم. و في هذه الحالة كيف يمكن الوثوق بأن كل ما ينتج في احضان الفنانين او العلماء المفكرين المسلمين يكون اسلامياً و دينياً. رغم اننا نعتبر هؤلاء الافراد افراداً يتحولون بالآداب و بالسلوك الديني لكن نتاجاتهم الفكرية و العلمية لاتنسجم مع مميزات الرؤية الاسلامية و الدينية و إن امكانية انسجامها لاتكون منتفية. فعلية في رؤية كلية، اذا كان يمكن اتـّصاف الافكار و الاعمال المنتجة في المجتمع الديني و الاسلامي بالاسلامية و الدينية بمعني اعتبار تلك الاعمال و الافكار هي حصيلة نشاط المتدينين و ليس انها تتطابق بالضرورة مع ضوابط الرؤية الاسلامية. الرؤية الثانية المعيار الآخر الذي يمكن ذكره في اضفاء الطابع الديني علي علم من العلوم او علي واقع خارجي (كالعمل الفني في هذا المجال) هو ما اذا كان الدين الاسلامي قد ذكر شيئاًً و ارشاداً و كلاماً «اصلاً» حول ذلك الموضوع فيعتبر ذلك العلم او الواقع الخارجي اسلامياً و دينياً. فعلي اساس هذه الرؤية إن اسلامية العلم او الشيئ و دينية العمل (او الأثر) الفني علي اساس ما جاء حول هذا الموضوع في النصوص الدينية. فعندما نتحدث عن علم الاخلاق الاسلامي او الفقه او الحقوق الاسلامية او الرؤية الشمولية الاسلامية و الدينية، فهذه التعابير كلها صحيحة لأن جانباً كبيراً من الدين الاسلامي يدور حول البحوث الاخلاقية او ان جانباً مهماً من المعارف الدينية يدور حول المسائل الفقهية و الحقوقية و عندما نقول الفن الاسلامي فان ما نقصده من ذلك فنون كالرسم و النحت و الموسيقي التي تحدث عنها الاسلام بشكل واضح. و أنا اشير ايضاً هنا إلي نقطة في اكمال هذه الرؤية و هي اذا كان الاسلام قد تحدث حول موضوع يشكل محدد و واضح فيمكن اعتبار ذلك الموضوع اسلامياً و دينياً. لأن هناك الكثير من البحوث و الموضوعات تكون مطروحة في النصوص الدينية و التي لاتكون مدار البحث في اصلها، بل دار البحث حول موضوع فرعي منها لذلك في مثل هذه الحالات عندما لم يدور الحديث عن موضوع بشكل اساسي. فهل يمكن اعتبار ذلك الموضوع دينياً و اسلامياً بسبب ذكره في النصوص الاسلامية؟ فهذه الرؤية لها من النواقص و حالات من الغموض لايمكن اعتبارها رؤية مقبولة و صحيحة ما لم يتم توضيحها و ازالة الغموض عنها علي اقل تقدير. اولاً اعتماداً علي هذه الرؤية بما انه ستوجد موضوعات كثيرة تحدث عنها الاسلام بشكل اساسي و ليس بشكل فرعي فهذه الموضوعات لايمكن وصفها بالوصف الديني و الاسلامي، فعلية اننا سنواجه وتيرة متنامية من الموضوعات التي لانستطيع قط اصدار الرأي بشأن طابعها الاسلامي او تحولها إلي الطابع الاسلامي. ثانياً إن مفهوم «الأصل» حيال الموضوعات يكون بحاجة إلي تقديم المزيد من التوضيح و الدقة. قلنا لو كان الاسلام قد اعطي رأيه حيال موضوع من الموضوعات من منطلق الأصل فيمكن اعتبار ذلك الموضوع او العلم او الواقع اسلامياً. لكن النقطة الموجودة في هذا الجانب هي ما معني الحديث من منطلق الأصل او الاصلة؟ كمثال علي ذلك عندما نقول من اجل أن يكون لنا علم الاخلاق الاسلامي فالمعيار هنا هو ان الاسلام يكون قد طرح البحوث الاخلاقية اصالتاً ما معني ذلك. و لو أشير إلي «الموضوع» و «الطريقة» و «الغاية» لعلم من العلوم في الاسلام فهل يعتبر ذلك العلم اسلامياً حتي و إن كان ذلك العلم لم يحظ بالاهتمام؟ و هل اذا كانت الاشارة الي قضايا علم الاخلاق بكثرة في الفكر الاسلامي فهل يمكن تسمية ذلك بالاخلاق الاسلامية؟ اضافة إلي ذلك نحن لانعلم ما مدي حجم هذه الكثرة؛ رغم أن الهيكلية الاصيلة لذلك العلم موجودة في الاسلام، أم انه ينبغي أن تكون الاشارة إلي هيكلية ذلك العلم و القضايا المرتبطة بالعلم موجودة ايضا؟ و الخلاصة أن حجم الاشارة إلي العلم و كيفية تلك الاشارة لذلك العلم او الواقعية الخارجية في الاسلام هل تسمح لنا اعتبار ذلك العلم او الواقعية الخارجية اسلامياً؟ فهذا السؤال ما لم تتم الاجابة عليه بشكل كامل و دقيق و واضح لايمكن اعتباره رؤية مطلوبة لاضفاء الطابع الديني او الاسلامي عليه. الرؤية الثالثة: علي اساس هذه الرؤية ان الملاك و المعيار لاعتبار الفن او اي واقع آخر دينياً و اسلامياً هو ان لايتعارض ذلك الفن او الشيئ مع الرؤية الشمولية و القيم الاسلامية و الدينية. فعندما لايتعارض ذلك الموضوع مع الرؤية و القيم الاسلامية و لاتكون له ضدّية مع الاسلام فيحظي ذلك الموضوع بتأييد الاسلام. فعليه اذا كان ذلك الموضوع او فناً او اي شيئ آخر» يعتبر اسلامياً. يبدو ان وجود مثل هذا المعيار او الملاك بمثل هذه الشروط لاعتبار الموضوع دينياً و اسلامياً يكون لازماً و لكن غير كافٍ؛ لان المساحة الموجودة بين كون الشيئ «دينياً» او «مضاداً للدين» تكون واسعة و هي «غير دينية» و التي تمنع اعتبار الرؤية الثالثة صحيحة و كافية و يعني ذلك ان مجرد عدم تعارض الموضوع مع الدين لايعني ذلك الموضوع دينياً. بل يمكن اعتبار ذلك الشيئ غير مضاد للدين و لكن لايعتبر بالضرورة امراً دينياً. اننا من أجل معرفة الموضوع دينياً نكون بحاجة إلي شيئ أكثر من عدم تعارض ذلك الموضوع مع الدين (سواء أكان ذلك علماً او امراً من الامور الواقعية الخارجية كالثقافة و الحكومة و الفن و غير ذلك) و علي هذا الاساس نقول بأن عدم تعارض الموضوع مع الدين يشكل شرطاً لازماً لتوفر الجانب الديني للموضوع و لكن لايكفي ذلك. الرؤية الرابعة: المعيار لكون الأمر دينياً هو بالاضافة إلي ضرورة عدم تعارض ذلك الأمر او الموضوع مع الدين بل ينبغي أن يتعايش و ينسجم تماماً مع الاهداف و الأسس و الرؤي و القيم الدينية و الاسلامية. فهذه الرؤية اضافة إلي انعدام النواقص الموجودة في الرؤي الثلاثة المذكورة يبدو انها اكثر مقدرة من الرؤي السابقة في تبرير الطابع الديني الموجد فيها. و كان النقص في الرؤية الثانية هو ضرورة أن يتحدث عن موضوع في الدين كي نتمكن اعطاء الموضوع صبغة «دينية» و عندما يكون الموضوع منسجماً مع الرؤية الاسلامية و القيم الاسلامية و يكون في اتجاه واحد و منسقاً مع هذه الرؤي و القيم الاسلامية يكفي اعتبار الشيئ اسلامياً. النقص الموجود في الرؤية الثالثة هي عدم تعارض الموضوع مع الدين يشكل شرطاً كافياً لاعتبار الموضوع دينياً. في حين كان هذا الشرط لازماً لاضفاء الطابع الديني عليه الا انه غير كاف. و مع هذه التوضيحات تبين بأن الرؤية الرابعة تكون اكثر مقدرة من الرؤي الثلاثة الاخري في تبرير و تبيين المعيار في دينية الموضوع. و لكن في الوقت نفسه يجب أن نتذكر باننا نقول اكثر مقدرة نسبياً و هذا يعني ان هذه الرؤي في ذاتها لها من النواقص و الغموض. فمن جملة حالات الغموض الاساسية الموجودة في الرؤية الرابعة هي ما هو المعني الدقيق و المضبوط للإنسجام مع الرؤية الاسلامية و القيم الاسلامية؟ اننا قد اعتبرنا هذا الانسجام مع الدين معياراً لاعتبار الشيئ او الموضوع دينياً و لكن في اية حالة نقول بأن الموضوع سواء أكان علماً او فناً او ثقافة او غير ذلك يجب أن ينسجم مع الدين. و بتعبير أدق ما هو المعيار في الانسجام؟ فهل يعني ذلك أن يدور الحديث في الدين حول ذلك الموضوع كي نتمكن من تمييز ذلك الشيئ او الموضوع منسجماً مع الدين ام لا؟ و لو لم يجر الحديث عن الموضوع المذكور في الدين لكنه منسـّق مع «الروح العامة» للعقائد و القيم الدينية هل يكفي اعتبار ذلك الموضوع دينياً؟ في هذه الحالة ما هو المراد من الانسجام مع (الروح العامة للدين)؟ و هل إن تعبير الروح العامة للدين لايكون واضحاً تماماً؟ و هل تكون الروح العامة للدين العبودية لله؟ و هل تعني الروح العامة للدين التوجه نحو العالم الغيبي و عالم ماوراء الطبيعة او الآخرة؟ و هل تشمل الروح العامة للدين كافة الحالات المذكورة حيث لاتتعارض مع بعضها و اخيراً ما يعني انسجام الموضوع مع الدين؟ بالنظر إلي النقد القصير الذي تحدثنا عنه بشأن الرؤية الرابعة و تحدثنا عن غموض (معيار الانسجام) ، و لكن في نفس الوقت يبدو ان هذه الرؤية يجدر الدفاع عنها اكثر من الرؤي الاخري المذكورة كما يمكن توضيح الانسجام بشكل يمكن من خلال ذلك اصدار الرأي بشأن الجانب الديني. من المناسب هنا أن نذكر الشهيد مطهري و رؤيته في مجال العلم المفيد من وجهة النظر الاسلامية و ينقل سماحته في مجالات مختلفة عند حديثه عن العلم الواجب او العلم المفيد و النافع من وجهة النظر الاسلامية ينقل كلاماً عن الامام الغزالي و اعتبر كلامه هذا كافياً لتوضيح العلم المفيد و الواجب من الناحية الاسلامية. ففي اجابته علي سؤال يتعلق بماهية العلم الواجب و النافع الذي يوصي بتعلمه في الروايات الاسلامية و ما هو ذلك العلم؟ فالغزالي له كلمة كما حظيت بتأييد فيض كاشاني فيقول الغزالي في هذا الجانب: العلوم تكون علي قسمين البعض منها يهدف اليها الاسلام في ذاتها لذلك تكون هذه العلوم واجبة، كمعرفة الله. لكن بعض العلوم لاتشكل نفسها هدفاً بل تكون وسيلة لبلوغ احد اهداف الاسلام. فالشهيد مطهري يقول: فعلية في الاسلام اما يكون العلم هدفاً و اما ان يكون العلم مقدمة لبلوغ الهدف. فاينما كان العلم هدفاً يكون تعلـّمه واجباً و اما أن لايكون العلم هدفاً بل يكون ذلك العلم وسيلة لتحقيق احد الاهداف الاسلامية و اذا كان الوصول الي هدف من الاهداف الاسلامية يتوقف علي اقتناء ذلك العلم فيكون ذلك العلم مقدمة للواجب و يكون واجباً ايضاً. و يقول أن تعلـّم العقائد الاسلامية يشكـّل امراً واجباً عينياً و يكون تعلم علم الطبابة او علم التجارة واجباً كفائياً لأن المجتمع الاسلامي يحتاج بدوره إلي علوم مختلفة كالطبابة او الاقتصاد او التجارة و امثالها. فالرابط بين حديثه من موضوع هذا البحث هو هل يمكن اعتبار المعيار الديني للعلم هو اما يكون العلم مطلوباً في الاسلام و اما ان يكون مقدمة لبلوغ احد الاهداف الاسلامية. يبدو بغض النظر عن الاختلاف الموجود في التعابير فان تبيين الشهيد مطهري للعلم المطلوب في الاسلام يكون اقرب الي الرؤية الرابعة التي تحدثنا عنها، رغم وجود بعض الفروق بينهما. و يعني ذلك انه يعتبر العلم اسلامياً و دينياً أن يكون العلم في حد ذاته مؤيداً من جانب الدين و اوصي به الاسلام و اما ان يكون ذلك العلم قد حظي بتأييد الدين بالنظر إلي انسجامه مع الرؤية الاسلامية والقيم الاسلامية. و قد عبـّر الشهيد مطهري عن ذلك بالواجب العيني و الواجب الكفائي، لكن الشيئ الواضح هو ان سماحته قد عبـّر عن المسألة بشكل آخر يختلف عما طرحناه في هذا الجانب. إن سؤالنا الاساسي هو: ما هو المعيار لاعتبار دينية العلم ( والواقع الخارجي)؟ السؤال الذي يطرحه هو ما هو العلم الذي يكون تعلمه واجباً او ما هو العلم النافع و المفيد؟ و لكن كما ذكرنا بغضّ النظر عن التعابير فأن سؤال الشهيد مطهري يكون قابلاً للتأويل حيال السؤال السابق. اضافة إلي كون السؤال الاول اشمل من سؤال الشهيد مطهري لانه لايشمل العلم فقط بل يشمل الامور الخارجية الاخري. و مع ذلك و في المجموع يمكن القول بان العلم يكون اسلامياً و دينياً اذا كان يحظي برؤية اسلامية و دينية ايجابية و مساعدة. لكن بعض هذه العلوم تكون في اصلها مطلوبة و البعض منها بما أنها تكون وسيلة لبلوغ الاهداف و القيم الاسلامية فتكون مطلوبة. و بتعبير آخر إن بعض هذه العلوم قد حظيت بالاعتماد بشكل محدّد و جاء في النصوص الدينية كالعلم الكوني و العلم الالهي و الاخلاق و الحقوق و البعض منها لم يحظ بالاهتمام بشكل مباشر الا انها تكون وسيلة لبلوغ الهدف الاسلامي فتكون واجبة. كما يلاحظ عندما يكون العلم في ذاته مطلوباً و يتحدث الدين عنه بشكل مستقل كالعلم الالهي (معرفة الله) و هناك علم لايكون مطلوباً لكنه يشكل مقدمة لبلوغ الأمر الواجب فيكون ذلك العلم واجباً ايضاً و دينياً و اسلامياً و اما أن يكون في منحي محاربة اعداء المجتمع الاسلامي. إن ما يمكن قوله في دراسة رؤية الشهيد مطهري و اختلافها مع الرؤية الرابعة يمكن القول: انه اولاً: إن هذه الرؤية تعتمد اكثر علي الرؤية الفقهية و تحاول تبرير الجانب الديني او ذيلية الجانب الديني للعلم في حين لاتكون الرؤية الرابعة محصورة بالرؤية الفقهية و انها تتناول الموضوع اوسع من الزاوية الفقهية لتعيين المعيار في دينيته. ثانياً ان دينية علم الفيزياء او الكيمياء و امثالها تكون بمعني واحد مع دينية العلم بالله و الرسل و امثال ذلك؟ فالعلم بالله و الرسل و الملائكة و امثال ذلك بما انها جاء الحديث عنها في النصوص الدينية و تكون مطلوبة و مستقلة تعتبر دينية. لكن علوماً كالفيزياء و الكيمياء تكون مطلوبة من الناحية الدينية رغم عدم وجود الحديث عنها في النصوص الدينية لكن يستفاد منها في مسيرة الاهداف الاسلامية فتكون واجبة من الناحية الدينية. كما لوحظ هناك فرق بين هذين النوعين من المطلوبية للعلم. و يعني ذلك وجود فرق بين العلم الذي يدور الحديث عنه بشكل مستقل و مطلوب في الدين و العلم الذي يعتبر مقدمة لبلوغ هدف مطلوب آخر لكن لم يجر الحديث عنه في النصوص الدينية بشكل جاد و بتعبير آخر، النوع الاول من العلم يكون دينياً و مطلوباً و النوع الثاني من العلم يكون ايضاً دينياً و مطلوباً. لكن العلم الديني من النوع الاول يكون اقرب إلي الرؤية الثانية من الرؤي الاربعة المذكورة لأن الملاك في هاتين الرؤيتين هو التوصية المحددة و المستقلة للدين بذلك العلم و العلم الديني من النوع الثاني يكون اقرب الي الرؤية الرابعة لأن الملاك هو التأييد غير المباشر و انسجام ذلك العلم مع اهداف الدين. فعلية يكون الملاك او المعيار في دينية العلم و المعني للجانب الديني للعلم رغم التعبير عنه كاساس لدي الشهيد مطهري لكنهما يعودان إلي اساسين مختلفين. و في هذه الحالة هل يمكن القول بأن الاساس الاول و الثاني او بتعبير آخر بناء علي تقسيماتنا لايوجد فرق بين الرؤية الثانية و الرابعة. و كان اضفاء الطابع الديني علي العلم و اعتبار العلم دينياً لايمكن الجمع بينهما علي اساس واحد بل ينبغي الافادة من الاساس الخاص في كل مجال. ففي هذه الوضعية كيف يمكن اعتبار اصول العقائد الدينية واجبة بذلك المقدار و المعني الذي اعتبرنا فيه الفيزياء و الكيمياء في مرحلة من المراحل الزمنية امراً دينياً و اسلامياً؟ و كان الطابع الديني قد تحول هنا إلي لفظ مشترك و مشترك لفظي له معان مختلفة و علي أقل تقدير لايكونان متساويين و بمقدار علم معرفة الله مع علم التجارة باعتبارها مقدمة لبلوغ احد المقاصد الاسلامية، دينياً و اسلامياً. إن ما يمكن قوله بشكل اجمالي من المواضيع المطروحة في مجال المعايير الدينية لاضفاء الطابع الديني علي علم من العلوم او الامور الخارجية الاخري يمكن الاستنتاج بانه يكون من الصعوبة وضع معيار و ملاك موحّد يمكن من خلاله في جميع المواضيع تمييز و تقييم الواقع الديني عن الواقع غير الديني للشيئ و لايمكن اعتبار أية واحدة من الرؤي الاربعة السابقة و كذلك رؤية الشهيد مطهري لوحدها معياراً في كافة الامور و ملاكاً كافياً و كاملاً لتمييز العلم او الواقع الديني عن غيره، رغم أن بعض الرؤي كالرؤية الثانية و الرؤية الرابعة تحظي بقوة و مقدرة اكثر لتقييم دينية العلوم و الظواهر الخارجية و لكن في المجموع إن كل واحدة مع الاخذ بنظر الاعتبار ما تم تبيينه تتوجه نحو تبرير و تبيين الفن الديني و الاسلامي. كما ذكرنا قبل هذا بأن لكل فن صورة و سيرة و الاسلام باعتباره كدين يكون ذا مقدرة في منح الشكل لصورة الفن و كذلك اضفاء المعني لسيرة الفن. فالأثر الفني من اي موضوع كان المسرح و السينما و صنع التماثيل و الرسم و الموسيقي و الشعر و ما إلي ذلك تحظي بصورة و سيرة و إن الصورة لها تكون حصيلة نوع من المهارة و التقنية و سيرتها تكون قائمة علي نوع من المعرفة و الوعي. فالدين يكون في هذا الجانب مؤثراً علي المهارة و التقنية للعمل الفني و كذلك علي المعرفة و المضمون . و قد لايمكن معرفة و مدي تدخل الدين في كافة الميادين و الحقول الفنية بشكل متساوي. كمثال علي ذلك إن تدخـّل الدين في منح الشكل لصورة من الرسم اكثر من تدخله في منح الشكل لصورة الشعر. مع ذلك كنموذج من ذلك ان المسرح الديني ليس ذلك المسرح الذي يحظي بالمضمون الديني و الاسلامي فقط ، بل ينبغي ان نتطابق الصور و الاشكال التي تعرض محتوي تلك المسرحية مع الضوابط و الرؤي الشمولية الدينية و الاسلامية. او العكس من ذلك اذا كانت اشكال و صور المسرحية متناسقه مع الضوابط الدينية لكن رسالة تلك المسرحية و محتواها لاتنسجم مع القيم و الاهداف الدينية فالمسرحية المذكورة مازالت غير دينية. المسرحية الدينية تتحقق عندما تكون صورتها و سيرتها قائمة علي القيم و الاهداف و الموازين الدينية. لكن الموازين الدينية ينبغي أن تشمل بوسعتها كافة القيم الانسانية و البشرية الرفيعة. فدينية الشيئ او تحويله إلي طابع ديني له من المراتب. يعني ذلك اننا نستطيع ان نتحدث عن الجانب الديني و الاكثر دينية، لذلك قد يكون العمل الفني دينياً في صورته و لكن من حيث المحتوي لايكون دينياً او العكس من ذلك يكون دينياً من حيث المضمون و الرسالة التي يحملها و لكن من ناحية الصورة لايكون دينياً. (او ليس بالضرورة مضاداً للدين). و قد يكون العمل الفني دينياً في صورته و محتواه، و لكن يمكن العمل لاضفاء المزيد من الطابع الديني عليه. فالعمل الفني الخاص هو ذلك العمل الذي يكون فيه الطابع الديني ملحوظاً في صورته و محتواه بشكل جاد و شفاف. رغم اننا لاننكر بأن الصورة و المحتوي للعمل الفني الموجود في الخارج ممزوجان مع بعضهما حيث يكون من الصعب الفصل بينهما و القيام بتقييم كل واحدة منهما بشكل مستقل. بالنظر إلي الاداء الفني الديني و مكانته في الحياة البشرية قد يكون من الصعب القول بأن الفن الديني الاسلامي كانت له كذلك اداءات سلبية و تم استغلالها في مسير الباطل كما كانت له ادات ايجابية لذلك لو اردنا التعريف بالفن الديني الاسلامي علي اساس اداءاته الايجابية نستطيع أن نقول: ان الفن الديني هو ذلك الفن الذي يخرج الفرد من حالات الاسر و الوساوس و الاهواس و يظهر الله بكل عظمة و اجلال و جمال في انظار الفرد. فالفن الديني ينظر إلي الحق و يبحث عن الحق و يحارب كل صورة من الظلم و الباطل و ما هو قبيح و يمنح الفرد هموماً سامية و يأخذ منه همومه الحقيرة و يمنح للفرد حالات الانبساط و الاندهاش العميق في نفسه و ينقذه من حالات الفرح الطفولية. الفن الديني يشكل الجناح و الريش للتحليق من القفص الضيق للزمان و المكان و فرصة للتنفس في المجالات اللازمان و اللامكان الواسعة الفن الديني يشكـّل واقع من جنس الطريق اكثر من جنس المقصد، و لذلك يمثل دعوة للعبور و ليس تأكيداً للمكوث. الفن الديني يشكل دلالة علي اللهفة و الالتهاب للروح غير المستقرة المتجهة نحو الابدية و خلاصة الكلام هي ان الفن الديني لايشكل شيئاً سوي فن التعشق و فن العاشقين. التضحية و الفن الديني و الآن نستعرض بشكل محدّد احد فروع الفن الديني المتمثل في ترويج ثقافة التضحية و تجسيد ذلك علي خشبة المسرح. إن مفهوم التضحية او الايثار احد المفاهيم الاساسية في العلوم الانسانية و في الفلسفة الاخلاقية خاصة حيث يمكن أن يكون لها منحاً مختلفاً. منحاً في الجانب المعرفي و منحاً دينياً. ففي الرؤية المعرفية يمكن اعتبار التضحية بانها ذات مفهوم نظري و تكون عامة و شمولية في العالم و لاتختص بمجتمع خاص و تكون سارية و جارية في كافة المجتمعات البشرية. و بشكل عام يمكن اعتبار التضحية نوعاً من الاعمال التي تنجز من اجل الآخر و اجتياز المصالح الشخصية بل و من اجل مصلحة الآخرين. إن اهم خصوصية ينطوي عليها مفهوم التضحية تتمثل في المعتقد القائم علي العمل. و يعني ذلك يظهر في المجتمع نوع من التحول الاستعلائي في بناء الوعي للفرد و المجتمع. ثم يتحول هذا التحول في المجال العملي الي العمل الفردي و الجمعي و يتم تكريس ذلك فيه. لو كنا نعتبر التضحية بانها عمل من اجل الآخر فان دائرة شمول المضحين ستكون اوسع بكثير و بعبارة اخري حتي التحول الذهني للفرد حيال ترجيح الشيئ او الفرد او المعتقد علي الذات سيكون عملاً تضحوياً، رغم حصول التجسيد العيني لذلك. و لكن في المنحي الايدولوجي حيث تكون نسبته مع الرؤية الواسعة المعرفية و وجود المعرفة، عموم و خصوص مطلق فيطلق المضحي علي من يغض النظر عن روحه و مصالحه من اجل معتقده و عقيدته الخاصة ( و التي تكون لها صبغة دينية و ميتافيزيقية). فالنقطة هنا ان تكريم المضحين و تكريم التضحية يعتبر كرامة انسانية. اننا نكون احوج الي طرحنا التضحية كمفهوم رفيع انساني اكثر من مفهوم ديني. التضحية و التحرر في الفلسفات الاخلاقية و ماوراء الاخلاق تشكل وهماً جاداً و جديراً بالتأمل. و خاصة في الفلسفة الوجودية التي تطرح فيها الظروف الحدية و الحدودية حيث يطرحون «عنف العشق» باعتباره امراً مقبولاً اخلاقياً امام «عنف الكراهية» يتوضح فيها اعتبار لمفهوم التضحية و الشهادة، ينبغي علينا في الجانب العلمي التوجه نحو تكريم المضحين. فالشهداء و المضحين يحتلون موقع التكريم و انهم لايحتاجون الي تكريمنا. و إن تكريم عوائلهم و ذويهم يعكس ان النشاطات و الشؤون التضحوية تكون مأجورة و مشكورة كما انها تشكل الضمانة للأمن القومي امام المخاطر و الاحداث القابلة للتكهن في المستقبل. ففي حالة عدم الاشادة بالتضحية و لايواجه المضحون القدر و المنزلة فلا يمكن عقد الأمل علي حدوث أية مساعدة و تضحية في الاحداث المستقبلية. إن تكريم عوائل الشهداء و المضحين لاينبغي أن ينحصر في الاشادة اللفظية و اللسانية، فينبغي علينا التقليل من عقد المؤتمرات و الندوات و اطلاق الخطب و الشعارات التي لاجدوي فيها بل العمل نحو زيادة قدرات المضحين في مختلف الجوانب. علينا أن لاننسي بأن القصد من ايصال الخدمات لهؤلاء لايعني الاكتفاء بتقدم الدعم و الخدمات المادية المعيشية لهم بل إن هذه الخطوة تكون ضمن الواجبات البديهية و الابتدائية لكل حكومة و لاتكون الحاجة الي وجود مؤسسات طويلة و عريضة حكومية في هذا المجال. فالقصد من ذلك مثلاً في حقل التعليم العالي و الدراسة الجامعية بدل منحهم الحصص للدراسة الجامعية و التي يكون لها تالياً فاسداً و الاتهام بوجود التمييز بينهم و غيرهم العمل نحو رفع القدرات العلمية للمضحين و لاسرهم و اتاحة المجالات اللازمة لرفع مستواهم العلمي و دون شك سيكون خير و مصلحة الشعب و الحكومة في هذا الشيئ. الحديث عن التضحية اما الحديث عن ثقافة التضحية متي و من أين مكان قد بدأ؟ لقد كان استخدام مفهوم التضحية طوال التاريخ مطروحاً في الاقسام الخاصة و خاصة في العمليات الحربية و كان الجنود و المقاتلون خاصة يضحون بارواحهم في سبيل تحقيق الاهداف و المبادئ السياسية و الاخلاقية و المعنوية و الثقافية لوطنهم. و كانوا يعتبرون نماذجاً خالدة و ابطالاً لمجتمعاتهم. فالجنود الذين ضحوا بارواحهم من اجل المحافظة علي كبار قادتهم و زعمائهم كانوا يعتبرون اشجع الاشخاص في الحروب و كان يتم تقديرهم. و كانوا يحظون بالاحترام و الفخر بالنظر إلي تضحياتهم الجسمية و النفسية. لكن ثقافة التضحية خاصة قد اوجدت بعد انتصار الثورة الاسلامية و بدء الحرب المفرووضة و كانت غير قابلة لمقارنتها و تقييمها بالمعايير و المقاييس الموجودة. بالرغم من ان مصدر التحولات السياسية قد حدثت في حقب زمنية خاصة و لكن بالنظر إلي انعدام وجود برنامج مدروس للتنمية لهذه الحركات وعدا تنظيمها و ترسيخها فهذه الخصائص باتت تفقد صبغتها في الاقسام الصانعة للثقافة في المجتمع و اتاحت نتيجة ذلك مباشرة بعد انتهاء الحرب المجال لظهور الهجمة الثقافية. احد اكثر المفاهيم الأساسية المطروحة، كان موضوع التضحية و التي كانت بالمعني العرفي تطلق علي اعلي حالات التضحية. فالتضحية و الايثار الفردي و الشخصي عندما تقترن بالمجال التنموي للمجتمع و تغيير ثقافتها ستكون ذات معني. و في غير هذه الحالة فان معظم فائدتها ستبقي في منحي التنمية الاخلاقية للفرد المضحي و تكاملها في مرحلة زمنية قصيرة إن ما يقصد به من هذا المقال هو عرض صورة اجمالية عن مفهوم التضحية مع مصاديق متناسبة و مستويات و حجم التأثيرات المختلفة التي تتركها علي المجتمع. فان التدقيق في البحث في جوانب الترشيد السياسي و «ابداع الطاقات الثقافية» و «ايجاد الهيكليات الاقتصايدية» تشكل موضوعاً لمقال آخر، لكننا سننهي هذا البحث بعرض بعض النقاط في الجانب المسرحي. 1 ينبغي الانتباه إلي الدين لايشكل معتقداً و مناسكاً، اذ أن مفهوم الدين اوسع من المذهب. فالدين ينظم علاقة الانسان و واجباته حيال الله عز و جل و حيال العالم. فالاسلام دين يكون الوحي فيه ازلياً و ابدياً لذلك يبقي هذا الدين جديداً دائماً و هو يستجيب لكافة الحاجات و الدوافع الفطرية البشرية. لذلك انه يشمل كافة الوجوه للحياة البشرية فهذه الوجوه بالنظر إلي حضور الله عزوجل تكون قدسية و اخلاقية. بهذه الرؤية لايكون اي شيئ في العالم غير قدسي بل يكون العالم المخلوق من الله قدسياً. فالانسان ينبغي عليه في مثل هذه الاجواء أن يكون بالضرورة ملتزماً و متعبداً. و لكن اذا لم يكن تعبده من منطلق الاخلاص فسوف لايتحقق هذا الالتزام. و عندما تكون في «اياك نعبد فقط» و لاتكون عبداً لغيره و لأي شيئ و سنتحقق الحرية بمفهومها الاصيل. 2 إن العرض المسرحي المرتبط بثقافة التضحية يمكن ابداعه بواسطة ممثل أن يكون متديناً. فالتدين لايتلخص في تنفيذ المراسم الدينية لأن نتيجة عرض هذه المراسم هي الانضباط الديني و هو الوجود في الاجواء الدينية و هذه الاجواء في الواقع هي اجواء حضور الله عز و جل و التي لاتسمح بحصول اي منكر فيها. فالفرد الديني في هذه الأجواء لحضور الله عز و جل يلاحظ سلوكاً اصولياً و هذا السلوك يكون فطرياً. مثل هذا الفرد اذ اعد عرضاً مسرحياً من اي موضوع كان سيكون عرضه دينياً سواء أكان عرضة في مجال القصص الدينية او في المجال القصصي حول الشؤون اليومية للناس. 3 مفاهيم ثقافة التضحية هي من الشؤون الفطرية و البشرية وكما يقال ستكون النفس اللاواعية للقوم و سيكون العنصر الديني بصورة نوعية أزلية. لذلك إن العرض المرتبط بثقافة التضحية سيكون جذاباً تلقائياً للناس. و يمكن القول إن أكثر المشاهدين عامية سيكونوا المخاطبين للعروض المسرحية الدينية. لأن العرض المسرحي الديني يحقق ارتباطاً بشكل ازلي مع اذهان الناس بشكل شامل و يعمل علي اعادة انتاج هذه الصور و توعيتها. فاذا كان العرض المسرحي يواجه بشكل فطري و طبيعي المفاهيم الدينية و يكون بعيداً عن الدعاية المباشرة او المقاصد السياسية و التحريفات الرائجة الموجودة في الافلام التجارية ذات الظاهر الديني تستطيع هذه المسرحية أن تبني جسور الاتصال مع اوسع الفئات الموجودة في المجتمعات البشرية. 4 إن عرض ثقافة التضحية لايشترط بالقصص الدينية عن الانبياء و الاولياء او عرض المناسك الدينية لأن الدين الجامع لشؤون البشرية يشمل هذا العالم و العالم الآخر. فعلية ان العرض المسرحي الديني يشمل كذلك كافة الشؤون التي تعني الانسان من واقعيات الحياة و المجتمع و في ضوء ذلك يطرح سمو جميع الامور و الكائنات. في التوجه نحو ثقافة التضحية اذا لم يتوفر الاخلاص و الصدق و يكون الهدف منه شيئاً سوي الشؤون الدينية كالتجارة و الأرباح و الافادة من الهيجانات المزيفة امن رأي الزبون او التحريفات من أجل الدعاية العنصرية و السياسية و غيرها، فالفلم حتي اذا كان في الموضوعات و الواقع الديني لايمكن وضعه في الحقل الديني. إن نماذج هذا النوع من العروض الكاذبة بظاهر ديني كثيرة. و ان التصور بانه من خلال التوجه و العرض المباشر للشؤون الدينية بهدف الاعلام المباشر يمكن بلوغ مجال العرض الديني، هو تصور يعمل علي فصل العرض عن وجوهه و يؤدي الي الحقول الاعلامية للفرد و يزول بذلك تأثيره الدائم و القيم الدينية لذلك العرض. و سوف لايكون لنا شيئاً سوي الاعلام المرحلي. معتقداتنا 1- البعض يري باننا لم نصل بعد إلي العرض المسرحي الديني لكنهم يقولون بأن الله بكل شيئ محيط و الدين محيط بكافة الشؤون البشرية. اذن لايمكن التوقع بأن العرض المسرحي يشمل كافة الوجوه او الجوانب الدينية. بل يستطيع كعرض ان يعكس وجهاً من وجوه الدين كثقافة التضحية و السلوك و الحياة الفطرية للإنسان. فاذا كان العرض المسرحي يتناول عرض موضوع ثقافة التضحية و الآخر يتوجه إلي عرض امر الدين، و عرض آخر يتناول وجهاً من الوجوه الفطرية للإنسان فهو يطرح في الواقع الدين الفطري. و إن مجموعة هذه العروض هي التي توجد الاجواء الدينية و العروض الدينية. في عام العروض المسرحية عرضت مسرحيات بمضمون ثقافة التضحية و قد خطي ممثلون في هذا الجاني خطوات و يعتبرون الطلائع في الفن الديني و بعد الثورة عرضت عروض مسرحية مهمة بمضامين دينية و قد اثارت الاجواء الدينية لما بعد الثورة جهوداً كثيرة في هذا السبيل و كانت لها ثمار و نماذج مهمة. فينبغي عدم غض النظر عن ذلك فهذا الغض من النظر و اصدار الاحكام الخاطئة بشأن الافلام قد يؤدي الي احلال حالة من الفتور و الاحباط بين الممثلين المخلصين و المتدينين في بلدنا. 2- إن الاذواق و التعبيرات غير الواضحة في ادارة الفنون المسرحية الايرانية تشكـّل احدي العقبات الاساسية في تحقيق العروض الدينية و تؤدي إلي زعزعة الثقة بالنفس في الممثلين المخلصين و المتدينين لنا مراجعة النصوص الدينية. فانهم لايعلمون هل يمكنهم التعبير عن مشاعرهم ابداعاتهم في الشؤون الدينية او ينبغي عليهم ان يكونوا تابعين للأوامر و ما يجب و ما لايجب الدائم و المتغيرات و وجهات نظر واضعي السياسات المرحلية للعروض المسرحية. لذلك يرون بأن الاقتراب من مجال العروض الدينية يشكـّل امراً خطيراً و معرقلاً. فالكثير من المسرحين المتدينين و اصحاب الاذواق بيننا يرجحون اختبار ابداعاتهم في الحقول الاخري و يرون كذلك من اللازم توسيع الامكانات التقنية في المسرح لتتمكن قوة الخيال في العروض المسرحية الدينية تجسيد حقيقة الدين و ليتمكن العرض المسرحي الديني التوجه نحو الموضوعات سسالدينية الخاصة و لينظروا مقبولية ذلك و تأثيره علي المخاطبين الموجودين اليوم في العالم. 3- ينبغي توضيح الحدود و الموازين للعروض المسرحية الدينية من ناحية الفقه الاسلامي و تكون العلاقة الجارية لحياة و المجتمع علي اساسها كي يمكن من خلال ذلك بلوغ عروض مسرحية مخلصة و قائمة كذلك علي الاخلاق الاسلامية. 4- مازال الكثير من القضايا في تحقيق عرض مسرحي ديني لم يجر الحديث عنه و منها مساحة تدخـّل المدراء و الاقتصاد الحكومي في مجال العرض المسرحي و تقديم تعريف شامل و مانع عن موقع القطاع الخاص في هذا الحقل و كذلك تقديم تعريفات دقيقة عن كافة الامور المطروحة. و لكن لاينبغي أن نتوقع بأن التآزر الفكري لأيام قليلة او كتابة عدد من الكتب و المقالات ستوجد الاستجابة الحتمية في هذا الجانب. لكن الاجواء الحرة من الرؤي المختلفة و المتضادة و وجهات النظر المختلفة المطروحة باتت تصل إلي اسماع الجميع فهذا ببشر بامكانية بلوغ تعريفات دقيقة و التوصل الي سبل اكثر اصولية في هذا الجانب. المسرح الذي يتـّجه في منحي ثقافة التضحية و شكلها الخاص يعني الدفاع المقدس الذي يعني في جانبه النظري امكانية اضفاء الطابع الديني علي الفن و سنحتاج في هذا البحث الي تقديم صورة محددة عن طبيعة الفن او حقيقة الفن. فعلية إن البحث الفني و الدقيق بشأن الفن الديني يتيسر عندما تنكشف لنا حقيقة الفن. مع ذلك نظرةً إلي الطابع النسبي في التعريفات الموجودة بشأن الفن و الدين من الناحية الفلسفية فلا يجب أن نتوقع بأن يحظي مصطلح «الفن الديني» بالوضوح و الشفافية. و لكن مع جميع هذه الاوصاف بما اننا لاننوي تقديم توضيح عن الفن الديني اعتماداً علي التبيين الفلسفي فإننا نستطيع التدقيق في الفن الديني من وجه غير فلسفي و في هذا المنحي سنحاول طرح القضية باشكال أخري. السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو المعيار و الميزان لإضفاء الطابع الديني علي العلوم و مختلف الامور الاخري، و كيف يمكن أن تتصف ادراكاتنا و وعينا بالديانة، حتي يمكن بعد ذلك الحديث عن كيفية نقل مفاهيمٍ كمفاهيم التضحية و متي نتصف الواقعية الخارجية بالصبغة الدينية، كمثال علي ذلك: علي اي اساس يمكن اضفاء الطابع الديني علي الثقافة او الحكومة او علي أثر فني باعتبارها ضمن الواقعيات و اعتبارها الدينية؟ و بذلك عندما نسأل عن المعيار في إضفاء الطابع الديني علي العلوم و مختلف (الشؤون) ما هو المراد من «العلوم»؟ العلوم هي تلك الاشياء التي تكون من جنس العلم و الوعي بالمعني العام لذلك كالفلسفة، و علم الاجتماع و علم النفس و المراد من «الامور» هو الواقعيات الخارجية كالأثر الفني او الحكومة او الثقافة. فالإجابة علي هذا السؤال هناك اربع رؤي يمكن طرحها غير أن هذه الرؤي الاربعة لاتكون علي اساس الحصر العقلي و قد يمكن اضافة رؤي اخري علي ذلك. الرؤية الاولي كل علم عندما يولد بين مجتمع المتدينين بما انه قد انتج من جانب المتدينين يستطيع أن يوصف بالوصوف الديني. اذن عندما نقول: الفن الديني و الحكومة الدينية و علم الاجتماع الديني او الفلسفة الدينية يعني ذلك إن الفن و الثقافة و علم الاجتماع و الفلسفة التي اوجدت من جانب المتدينين. و لكن يبدو أن هذا الملاك و المعيار لاضفاء الطابع الديني علي العلم او علي الاثر الفني لايكون كافياً. و لنفترض أن مجتمع المتدينين قد قبل الحكومة الدكتاتورية ، فهل يمكن اعتبار هذه الحكومة بانها مصداقاً من الحكومة الدينية و الاسلامية ؟ لا، لأن مثل هذه الحكومة لاتتطابق مع اوصاف و خصائص الحكومة الإسلامية هكذا هو الحال بشأن الأثر الفني و الامور الاخري. و يعني ذلك ان كل عمل فني ينتج في المجتمع الديني من جانب الفنانين المتدينين لايعني بالضرورة فناً دينياً و اسلامياً و كان البعض قد تصور بأن الفن الاسلامي هو ما يتم انتاجه من جانب الفنان المسلم و كل ما تنتجه ذهنية هذا الفنان و ضميره و يده و لسانه يكون دينياً و اسلامياً. لكن الحقيقة تكون علي العكس من ذلك. لأن المسلمين و المتدينين و من ضمنهم الفنانين المسلمين يكونوا بشراً قبل كل شيئ و البشر هو ذلك الكائن الذي قد يخطأ و يرتكب الاثم. و في هذه الحالة كيف يمكن الوثوق بأن كل ما ينتج في احضان الفنانين او العلماء المفكرين المسلمين يكون اسلامياً و دينياً. رغم اننا نعتبر هؤلاء الافراد افراداً يتحولون بالآداب و بالسلوك الديني لكن نتاجاتهم الفكرية و العلمية لاتنسجم مع مميزات الرؤية الاسلامية و الدينية و إن امكانية انسجامها لاتكون منتفية. فعلية في رؤية كلية، اذا كان يمكن اتـّصاف الافكار و الاعمال المنتجة في المجتمع الديني و الاسلامي بالاسلامية و الدينية بمعني اعتبار تلك الاعمال و الافكار هي حصيلة نشاط المتدينين و ليس انها تتطابق بالضرورة مع ضوابط الرؤية الاسلامية. الرؤية الثانية المعيار الآخر الذي يمكن ذكره في اضفاء الطابع الديني علي علم من العلوم او علي واقع خارجي (كالعمل الفني في هذا المجال) هو ما اذا كان الدين الاسلامي قد ذكر شيئاًً و ارشاداً و كلاماً «اصلاً» حول ذلك الموضوع فيعتبر ذلك العلم او الواقع الخارجي اسلامياً و دينياً. فعلي اساس هذه الرؤية إن اسلامية العلم او الشيئ و دينية العمل (او الأثر) الفني علي اساس ما جاء حول هذا الموضوع في النصوص الدينية. فعندما نتحدث عن علم الاخلاق الاسلامي او الفقه او الحقوق الاسلامية او الرؤية الشمولية الاسلامية و الدينية، فهذه التعابير كلها صحيحة لأن جانباً كبيراً من الدين الاسلامي يدور حول البحوث الاخلاقية او ان جانباً مهماً من المعارف الدينية يدور حول المسائل الفقهية و الحقوقية و عندما نقول الفن الاسلامي فان ما نقصده من ذلك فنون كالرسم و النحت و الموسيقي التي تحدث عنها الاسلام بشكل واضح. و أنا اشير ايضاً هنا إلي نقطة في اكمال هذه الرؤية و هي اذا كان الاسلام قد تحدث حول موضوع يشكل محدد و واضح فيمكن اعتبار ذلك الموضوع اسلامياً و دينياً. لأن هناك الكثير من البحوث و الموضوعات تكون مطروحة في النصوص الدينية و التي لاتكون مدار البحث في اصلها، بل دار البحث حول موضوع فرعي منها لذلك في مثل هذه الحالات عندما لم يدور الحديث عن موضوع بشكل اساسي. فهل يمكن اعتبار ذلك الموضوع دينياً و اسلامياً بسبب ذكره في النصوص الاسلامية؟ فهذه الرؤية لها من النواقص و حالات من الغموض لايمكن اعتبارها رؤية مقبولة و صحيحة ما لم يتم توضيحها و ازالة الغموض عنها علي اقل تقدير. اولاً اعتماداً علي هذه الرؤية بما انه ستوجد موضوعات كثيرة تحدث عنها الاسلام بشكل اساسي و ليس بشكل فرعي فهذه الموضوعات لايمكن وصفها بالوصف الديني و الاسلامي، فعلية اننا سنواجه وتيرة متنامية من الموضوعات التي لانستطيع قط اصدار الرأي بشأن طابعها الاسلامي او تحولها إلي الطابع الاسلامي. ثانياً إن مفهوم «الأصل» حيال الموضوعات يكون بحاجة إلي تقديم المزيد من التوضيح و الدقة. قلنا لو كان الاسلام قد اعطي رأيه حيال موضوع من الموضوعات من منطلق الأصل فيمكن اعتبار ذلك الموضوع او العلم او الواقع اسلامياً. لكن النقطة الموجودة في هذا الجانب هي ما معني الحديث من منطلق الأصل او الاصلة؟ كمثال علي ذلك عندما نقول من اجل أن يكون لنا علم الاخلاق الاسلامي فالمعيار هنا هو ان الاسلام يكون قد طرح البحوث الاخلاقية اصالتاً ما معني ذلك. و لو أشير إلي «الموضوع» و «الطريقة» و «الغاية» لعلم من العلوم في الاسلام فهل يعتبر ذلك العلم اسلامياً حتي و إن كان ذلك العلم لم يحظ بالاهتمام؟ و هل اذا كانت الاشارة الي قضايا علم الاخلاق بكثرة في الفكر الاسلامي فهل يمكن تسمية ذلك بالاخلاق الاسلامية؟ اضافة إلي ذلك نحن لانعلم ما مدي حجم هذه الكثرة؛ رغم أن الهيكلية الاصيلة لذلك العلم موجودة في الاسلام، أم انه ينبغي أن تكون الاشارة إلي هيكلية ذلك العلم و القضايا المرتبطة بالعلم موجودة ايضا؟ و الخلاصة أن حجم الاشارة إلي العلم و كيفية تلك الاشارة لذلك العلم او الواقعية الخارجية في الاسلام هل تسمح لنا اعتبار ذلك العلم او الواقعية الخارجية اسلامياً؟ فهذا السؤال ما لم تتم الاجابة عليه بشكل كامل و دقيق و واضح لايمكن اعتباره رؤية مطلوبة لاضفاء الطابع الديني او الاسلامي عليه. الرؤية الثالثة: علي اساس هذه الرؤية ان الملاك و المعيار لاعتبار الفن او اي واقع آخر دينياً و اسلامياً هو ان لايتعارض ذلك الفن او الشيئ مع الرؤية الشمولية و القيم الاسلامية و الدينية. فعندما لايتعارض ذلك الموضوع مع الرؤية و القيم الاسلامية و لاتكون له ضدّية مع الاسلام فيحظي ذلك الموضوع بتأييد الاسلام. فعليه اذا كان ذلك الموضوع او فناً او اي شيئ آخر» يعتبر اسلامياً. يبدو ان وجود مثل هذا المعيار او الملاك بمثل هذه الشروط لاعتبار الموضوع دينياً و اسلامياً يكون لازماً و لكن غير كافٍ؛ لان المساحة الموجودة بين كون الشيئ «دينياً» او «مضاداً للدين» تكون واسعة و هي «غير دينية» و التي تمنع اعتبار الرؤية الثالثة صحيحة و كافية و يعني ذلك ان مجرد عدم تعارض الموضوع مع الدين لايعني ذلك الموضوع دينياً. بل يمكن اعتبار ذلك الشيئ غير مضاد للدين و لكن لايعتبر بالضرورة امراً دينياً. اننا من أجل معرفة الموضوع دينياً نكون بحاجة إلي شيئ أكثر من عدم تعارض ذلك الموضوع مع الدين (سواء أكان ذلك علماً او امراً من الامور الواقعية الخارجية كالثقافة و الحكومة و الفن و غير ذلك) و علي هذا الاساس نقول بأن عدم تعارض الموضوع مع الدين يشكل شرطاً لازماً لتوفر الجانب الديني للموضوع و لكن لايكفي ذلك. الرؤية الرابعة: المعيار لكون الأمر دينياً هو بالاضافة إلي ضرورة عدم تعارض ذلك الأمر او الموضوع مع الدين بل ينبغي أن يتعايش و ينسجم تماماً مع الاهداف و الأسس و الرؤي و القيم الدينية و الاسلامية. فهذه الرؤية اضافة إلي انعدام النواقص الموجودة في الرؤي الثلاثة المذكورة يبدو انها اكثر مقدرة من الرؤي السابقة في تبرير الطابع الديني الموجد فيها. و كان النقص في الرؤية الثانية هو ضرورة أن يتحدث عن موضوع في الدين كي نتمكن اعطاء الموضوع صبغة «دينية» و عندما يكون الموضوع منسجماً مع الرؤية الاسلامية و القيم الاسلامية و يكون في اتجاه واحد و منسقاً مع هذه الرؤي و القيم الاسلامية يكفي اعتبار الشيئ اسلامياً. النقص الموجود في الرؤية الثالثة هي عدم تعارض الموضوع مع الدين يشكل شرطاً كافياً لاعتبار الموضوع دينياً. في حين كان هذا الشرط لازماً لاضفاء الطابع الديني عليه الا انه غير كاف. و مع هذه التوضيحات تبين بأن الرؤية الرابعة تكون اكثر مقدرة من الرؤي الثلاثة الاخري في تبرير و تبيين المعيار في دينية الموضوع. و لكن في الوقت نفسه يجب أن نتذكر باننا نقول اكثر مقدرة نسبياً و هذا يعني ان هذه الرؤي في ذاتها لها من النواقص و الغموض. فمن جملة حالات الغموض الاساسية الموجودة في الرؤية الرابعة هي ما هو المعني الدقيق و المضبوط للإنسجام مع الرؤية الاسلامية و القيم الاسلامية؟ اننا قد اعتبرنا هذا الانسجام مع الدين معياراً لاعتبار الشيئ او الموضوع دينياً و لكن في اية حالة نقول بأن الموضوع سواء أكان علماً او فناً او ثقافة او غير ذلك يجب أن ينسجم مع الدين. و بتعبير أدق ما هو المعيار في الانسجام؟ فهل يعني ذلك أن يدور الحديث في الدين حول ذلك الموضوع كي نتمكن من تمييز ذلك الشيئ او الموضوع منسجماً مع الدين ام لا؟ و لو لم يجر الحديث عن الموضوع المذكور في الدين لكنه منسـّق مع «الروح العامة» للعقائد و القيم الدينية هل يكفي اعتبار ذلك الموضوع دينياً؟ في هذه الحالة ما هو المراد من الانسجام مع (الروح العامة للدين)؟ و هل إن تعبير الروح العامة للدين لايكون واضحاً تماماً؟ و هل تكون الروح العامة للدين العبودية لله؟ و هل تعني الروح العامة للدين التوجه نحو العالم الغيبي و عالم ماوراء الطبيعة او الآخرة؟ و هل تشمل الروح العامة للدين كافة الحالات المذكورة حيث لاتتعارض مع بعضها و اخيراً ما يعني انسجام الموضوع مع الدين؟ بالنظر إلي النقد القصير الذي تحدثنا عنه بشأن الرؤية الرابعة و تحدثنا عن غموض (معيار الانسجام) ، و لكن في نفس الوقت يبدو ان هذه الرؤية يجدر الدفاع عنها اكثر من الرؤي الاخري المذكورة كما يمكن توضيح الانسجام بشكل يمكن من خلال ذلك اصدار الرأي بشأن الجانب الديني. من المناسب هنا أن نذكر الشهيد مطهري و رؤيته في مجال العلم المفيد من وجهة النظر الاسلامية و ينقل سماحته في مجالات مختلفة عند حديثه عن العلم الواجب او العلم المفيد و النافع من وجهة النظر الاسلامية ينقل كلاماً عن الامام الغزالي و اعتبر كلامه هذا كافياً لتوضيح العلم المفيد و الواجب من الناحية الاسلامية. ففي اجابته علي سؤال يتعلق بماهية العلم الواجب و النافع الذي يوصي بتعلمه في الروايات الاسلامية و ما هو ذلك العلم؟ فالغزالي له كلمة كما حظيت بتأييد فيض كاشاني فيقول الغزالي في هذا الجانب: العلوم تكون علي قسمين البعض منها يهدف اليها الاسلام في ذاتها لذلك تكون هذه العلوم واجبة، كمعرفة الله. لكن بعض العلوم لاتشكل نفسها هدفاً بل تكون وسيلة لبلوغ احد اهداف الاسلام. فالشهيد مطهري يقول: فعلية في الاسلام اما يكون العلم هدفاً و اما ان يكون العلم مقدمة لبلوغ الهدف. فاينما كان العلم هدفاً يكون تعلـّمه واجباً و اما أن لايكون العلم هدفاً بل يكون ذلك العلم وسيلة لتحقيق احد الاهداف الاسلامية و اذا كان الوصول الي هدف من الاهداف الاسلامية يتوقف علي اقتناء ذلك العلم فيكون ذلك العلم مقدمة للواجب و يكون واجباً ايضاً. و يقول أن تعلـّم العقائد الاسلامية يشكـّل امراً واجباً عينياً و يكون تعلم علم الطبابة او علم التجارة واجباً كفائياً لأن المجتمع الاسلامي يحتاج بدوره إلي علوم مختلفة كالطبابة او الاقتصاد او التجارة و امثالها. فالرابط بين حديثه من موضوع هذا البحث هو هل يمكن اعتبار المعيار الديني للعلم هو اما يكون العلم مطلوباً في الاسلام و اما ان يكون مقدمة لبلوغ احد الاهداف الاسلامية. يبدو بغض النظر عن الاختلاف الموجود في التعابير فان تبيين الشهيد مطهري للعلم المطلوب في الاسلام يكون اقرب الي الرؤية الرابعة التي تحدثنا عنها، رغم وجود بعض الفروق بينهما. و يعني ذلك انه يعتبر العلم اسلامياً و دينياً أن يكون العلم في حد ذاته مؤيداً من جانب الدين و اوصي به الاسلام و اما ان يكون ذلك العلم قد حظي بتأييد الدين بالنظر إلي انسجامه مع الرؤية الاسلامية والقيم الاسلامية. و قد عبـّر الشهيد مطهري عن ذلك بالواجب العيني و الواجب الكفائي، لكن الشيئ الواضح هو ان سماحته قد عبـّر عن المسألة بشكل آخر يختلف عما طرحناه في هذا الجانب. إن سؤالنا الاساسي هو: ما هو المعيار لاعتبار دينية العلم ( والواقع الخارجي)؟ السؤال الذي يطرحه هو ما هو العلم الذي يكون تعلمه واجباً او ما هو العلم النافع و المفيد؟ و لكن كما ذكرنا بغضّ النظر عن التعابير فأن سؤال الشهيد مطهري يكون قابلاً للتأويل حيال السؤال السابق. اضافة إلي كون السؤال الاول اشمل من سؤال الشهيد مطهري لانه لايشمل العلم فقط بل يشمل الامور الخارجية الاخري. و مع ذلك و في المجموع يمكن القول بان العلم يكون اسلامياً و دينياً اذا كان يحظي برؤية اسلامية و دينية ايجابية و مساعدة. لكن بعض هذه العلوم تكون في اصلها مطلوبة و البعض منها بما أنها تكون وسيلة لبلوغ الاهداف و القيم الاسلامية فتكون مطلوبة. و بتعبير آخر إن بعض هذه العلوم قد حظيت بالاعتماد بشكل محدّد و جاء في النصوص الدينية كالعلم الكوني و العلم الالهي و الاخلاق و الحقوق و البعض منها لم يحظ بالاهتمام بشكل مباشر الا انها تكون وسيلة لبلوغ الهدف الاسلامي فتكون واجبة. كما يلاحظ عندما يكون العلم في ذاته مطلوباً و يتحدث الدين عنه بشكل مستقل كالعلم الالهي (معرفة الله) و هناك علم لايكون مطلوباً لكنه يشكل مقدمة لبلوغ الأمر الواجب فيكون ذلك العلم واجباً ايضاً و دينياً و اسلامياً و اما أن يكون في منحي محاربة اعداء المجتمع الاسلامي. إن ما يمكن قوله في دراسة رؤية الشهيد مطهري و اختلافها مع الرؤية الرابعة يمكن القول: انه اولاً: إن هذه الرؤية تعتمد اكثر علي الرؤية الفقهية و تحاول تبرير الجانب الديني او ذيلية الجانب الديني للعلم في حين لاتكون الرؤية الرابعة محصورة بالرؤية الفقهية و انها تتناول الموضوع اوسع من الزاوية الفقهية لتعيين المعيار في دينيته. ثانياً ان دينية علم الفيزياء او الكيمياء و امثالها تكون بمعني واحد مع دينية العلم بالله و الرسل و امثال ذلك؟ فالعلم بالله و الرسل و الملائكة و امثال ذلك بما انها جاء الحديث عنها في النصوص الدينية و تكون مطلوبة و مستقلة تعتبر دينية. لكن علوماً كالفيزياء و الكيمياء تكون مطلوبة من الناحية الدينية رغم عدم وجود الحديث عنها في النصوص الدينية لكن يستفاد منها في مسيرة الاهداف الاسلامية فتكون واجبة من الناحية الدينية. كما لوحظ هناك فرق بين هذين النوعين من المطلوبية للعلم. و يعني ذلك وجود فرق بين العلم الذي يدور الحديث عنه بشكل مستقل و مطلوب في الدين و العلم الذي يعتبر مقدمة لبلوغ هدف مطلوب آخر لكن لم يجر الحديث عنه في النصوص الدينية بشكل جاد و بتعبير آخر، النوع الاول من العلم يكون دينياً و مطلوباً و النوع الثاني من العلم يكون ايضاً دينياً و مطلوباً. لكن العلم الديني من النوع الاول يكون اقرب إلي الرؤية الثانية من الرؤي الاربعة المذكورة لأن الملاك في هاتين الرؤيتين هو التوصية المحددة و المستقلة للدين بذلك العلم و العلم الديني من النوع الثاني يكون اقرب الي الرؤية الرابعة لأن الملاك هو التأييد غير المباشر و انسجام ذلك العلم مع اهداف الدين. فعلية يكون الملاك او المعيار في دينية العلم و المعني للجانب الديني للعلم رغم التعبير عنه كاساس لدي الشهيد مطهري لكنهما يعودان إلي اساسين مختلفين. و في هذه الحالة هل يمكن القول بأن الاساس الاول و الثاني او بتعبير آخر بناء علي تقسيماتنا لايوجد فرق بين الرؤية الثانية و الرابعة. و كان اضفاء الطابع الديني علي العلم و اعتبار العلم دينياً لايمكن الجمع بينهما علي اساس واحد بل ينبغي الافادة من الاساس الخاص في كل مجال. ففي هذه الوضعية كيف يمكن اعتبار اصول العقائد الدينية واجبة بذلك المقدار و المعني الذي اعتبرنا فيه الفيزياء و الكيمياء في مرحلة من المراحل الزمنية امراً دينياً و اسلامياً؟ و كان الطابع الديني قد تحول هنا إلي لفظ مشترك و مشترك لفظي له معان مختلفة و علي أقل تقدير لايكونان متساويين و بمقدار علم معرفة الله مع علم التجارة باعتبارها مقدمة لبلوغ احد المقاصد الاسلامية، دينياً و اسلامياً. إن ما يمكن قوله بشكل اجمالي من المواضيع المطروحة في مجال المعايير الدينية لاضفاء الطابع الديني علي علم من العلوم او الامور الخارجية الاخري يمكن الاستنتاج بانه يكون من الصعوبة وضع معيار و ملاك موحّد يمكن من خلاله في جميع المواضيع تمييز و تقييم الواقع الديني عن الواقع غير الديني للشيئ و لايمكن اعتبار أية واحدة من الرؤي الاربعة السابقة و كذلك رؤية الشهيد مطهري لوحدها معياراً في كافة الامور و ملاكاً كافياً و كاملاً لتمييز العلم او الواقع الديني عن غيره، رغم أن بعض الرؤي كالرؤية الثانية و الرؤية الرابعة تحظي بقوة و مقدرة اكثر لتقييم دينية العلوم و الظواهر الخارجية و لكن في المجموع إن كل واحدة مع الاخذ بنظر الاعتبار ما تم تبيينه تتوجه نحو تبرير و تبيين الفن الديني و الاسلامي. كما ذكرنا قبل هذا بأن لكل فن صورة و سيرة و الاسلام باعتباره كدين يكون ذا مقدرة في منح الشكل لصورة الفن و كذلك اضفاء المعني لسيرة الفن. فالأثر الفني من اي موضوع كان المسرح و السينما و صنع التماثيل و الرسم و الموسيقي و الشعر و ما إلي ذلك تحظي بصورة و سيرة و إن الصورة لها تكون حصيلة نوع من المهارة و التقنية و سيرتها تكون قائمة علي نوع من المعرفة و الوعي. فالدين يكون في هذا الجانب مؤثراً علي المهارة و التقنية للعمل الفني و كذلك علي المعرفة و المضمون . و قد لايمكن معرفة و مدي تدخل الدين في كافة الميادين و الحقول الفنية بشكل متساوي. كمثال علي ذلك إن تدخـّل الدين في منح الشكل لصورة من الرسم اكثر من تدخله في منح الشكل لصورة الشعر. مع ذلك كنموذج من ذلك ان المسرح الديني ليس ذلك المسرح الذي يحظي بالمضمون الديني و الاسلامي فقط ، بل ينبغي ان نتطابق الصور و الاشكال التي تعرض محتوي تلك المسرحية مع الضوابط و الرؤي الشمولية الدينية و الاسلامية. او العكس من ذلك اذا كانت اشكال و صور المسرحية متناسقه مع الضوابط الدينية لكن رسالة تلك المسرحية و محتواها لاتنسجم مع القيم و الاهداف الدينية فالمسرحية المذكورة مازالت غير دينية. المسرحية الدينية تتحقق عندما تكون صورتها و سيرتها قائمة علي القيم و الاهداف و الموازين الدينية. لكن الموازين الدينية ينبغي أن تشمل بوسعتها كافة القيم الانسانية و البشرية الرفيعة. فدينية الشيئ او تحويله إلي طابع ديني له من المراتب. يعني ذلك اننا نستطيع ان نتحدث عن الجانب الديني و الاكثر دينية، لذلك قد يكون العمل الفني دينياً في صورته و لكن من حيث المحتوي لايكون دينياً او العكس من ذلك يكون دينياً من حيث المضمون و الرسالة التي يحملها و لكن من ناحية الصورة لايكون دينياً. (او ليس بالضرورة مضاداً للدين). و قد يكون العمل الفني دينياً في صورته و محتواه، و لكن يمكن العمل لاضفاء المزيد من الطابع الديني عليه. فالعمل الفني الخاص هو ذلك العمل الذي يكون فيه الطابع الديني ملحوظاً في صورته و محتواه بشكل جاد و شفاف. رغم اننا لاننكر بأن الصورة و المحتوي للعمل الفني الموجود في الخارج ممزوجان مع بعضهما حيث يكون من الصعب الفصل بينهما و القيام بتقييم كل واحدة منهما بشكل مستقل. بالنظر إلي الاداء الفني الديني و مكانته في الحياة البشرية قد يكون من الصعب القول بأن الفن الديني الاسلامي كانت له كذلك اداءات سلبية و تم استغلالها في مسير الباطل كما كانت له ادات ايجابية لذلك لو اردنا التعريف بالفن الديني الاسلامي علي اساس اداءاته الايجابية نستطيع أن نقول: ان الفن الديني هو ذلك الفن الذي يخرج الفرد من حالات الاسر و الوساوس و الاهواس و يظهر الله بكل عظمة و اجلال و جمال في انظار الفرد. فالفن الديني ينظر إلي الحق و يبحث عن الحق و يحارب كل صورة من الظلم و الباطل و ما هو قبيح و يمنح الفرد هموماً سامية و يأخذ منه همومه الحقيرة و يمنح للفرد حالات الانبساط و الاندهاش العميق في نفسه و ينقذه من حالات الفرح الطفولية. الفن الديني يشكل الجناح و الريش للتحليق من القفص الضيق للزمان و المكان و فرصة للتنفس في المجالات اللازمان و اللامكان الواسعة الفن الديني يشكـّل واقع من جنس الطريق اكثر من جنس المقصد، و لذلك يمثل دعوة للعبور و ليس تأكيداً للمكوث. الفن الديني يشكل دلالة علي اللهفة و الالتهاب للروح غير المستقرة المتجهة نحو الابدية و خلاصة الكلام هي ان الفن الديني لايشكل شيئاً سوي فن التعشق و فن العاشقين. التضحية و الفن الديني و الآن نستعرض بشكل محدّد احد فروع الفن الديني المتمثل في ترويج ثقافة التضحية و تجسيد ذلك علي خشبة المسرح. إن مفهوم التضحية او الايثار احد المفاهيم الاساسية في العلوم الانسانية و في الفلسفة الاخلاقية خاصة حيث يمكن أن يكون لها منحاً مختلفاً. منحاً في الجانب المعرفي و منحاً دينياً. ففي الرؤية المعرفية يمكن اعتبار التضحية بانها ذات مفهوم نظري و تكون عامة و شمولية في العالم و لاتختص بمجتمع خاص و تكون سارية و جارية في كافة المجتمعات البشرية. و بشكل عام يمكن اعتبار التضحية نوعاً من الاعمال التي تنجز من اجل الآخر و اجتياز المصالح الشخصية بل و من اجل مصلحة الآخرين. إن اهم خصوصية ينطوي عليها مفهوم التضحية تتمثل في المعتقد القائم علي العمل. و يعني ذلك يظهر في المجتمع نوع من التحول الاستعلائي في بناء الوعي للفرد و المجتمع. ثم يتحول هذا التحول في المجال العملي الي العمل الفردي و الجمعي و يتم تكريس ذلك فيه. لو كنا نعتبر التضحية بانها عمل من اجل الآخر فان دائرة شمول المضحين ستكون اوسع بكثير و بعبارة اخري حتي التحول الذهني للفرد حيال ترجيح الشيئ او الفرد او المعتقد علي الذات سيكون عملاً تضحوياً، رغم حصول التجسيد العيني لذلك. و لكن في المنحي الايدولوجي حيث تكون نسبته مع الرؤية الواسعة المعرفية و وجود المعرفة، عموم و خصوص مطلق فيطلق المضحي علي من يغض النظر عن روحه و مصالحه من اجل معتقده و عقيدته الخاصة ( و التي تكون لها صبغة دينية و ميتافيزيقية). فالنقطة هنا ان تكريم المضحين و تكريم التضحية يعتبر كرامة انسانية. اننا نكون احوج الي طرحنا التضحية كمفهوم رفيع انساني اكثر من مفهوم ديني. التضحية و التحرر في الفلسفات الاخلاقية و ماوراء الاخلاق تشكل وهماً جاداً و جديراً بالتأمل. و خاصة في الفلسفة الوجودية التي تطرح فيها الظروف الحدية و الحدودية حيث يطرحون «عنف العشق» باعتباره امراً مقبولاً اخلاقياً امام «عنف الكراهية» يتوضح فيها اعتبار لمفهوم التضحية و الشهادة، ينبغي علينا في الجانب العلمي التوجه نحو تكريم المضحين. فالشهداء و المضحين يحتلون موقع التكريم و انهم لايحتاجون الي تكريمنا. و إن تكريم عوائلهم و ذويهم يعكس ان النشاطات و الشؤون التضحوية تكون مأجورة و مشكورة كما انها تشكل الضمانة للأمن القومي امام المخاطر و الاحداث القابلة للتكهن في المستقبل. ففي حالة عدم الاشادة بالتضحية و لايواجه المضحون القدر و المنزلة فلا يمكن عقد الأمل علي حدوث أية مساعدة و تضحية في الاحداث المستقبلية. إن تكريم عوائل الشهداء و المضحين لاينبغي أن ينحصر في الاشادة اللفظية و اللسانية، فينبغي علينا التقليل من عقد المؤتمرات و الندوات و اطلاق الخطب و الشعارات التي لاجدوي فيها بل العمل نحو زيادة قدرات المضحين في مختلف الجوانب. علينا أن لاننسي بأن القصد من ايصال الخدمات لهؤلاء لايعني الاكتفاء بتقدم الدعم و الخدمات المادية المعيشية لهم بل إن هذه الخطوة تكون ضمن الواجبات البديهية و الابتدائية لكل حكومة و لاتكون الحاجة الي وجود مؤسسات طويلة و عريضة حكومية في هذا المجال. فالقصد من ذلك مثلاً في حقل التعليم العالي و الدراسة الجامعية بدل منحهم الحصص للدراسة الجامعية و التي يكون لها تالياً فاسداً و الاتهام بوجود التمييز بينهم و غيرهم العمل نحو رفع القدرات العلمية للمضحين و لاسرهم و اتاحة المجالات اللازمة لرفع مستواهم العلمي و دون شك سيكون خير و مصلحة الشعب و الحكومة في هذا الشيئ. الحديث عن التضحية اما الحديث عن ثقافة التضحية متي و من أين مكان قد بدأ؟ لقد كان استخدام مفهوم التضحية طوال التاريخ مطروحاً في الاقسام الخاصة و خاصة في العمليات الحربية و كان الجنود و المقاتلون خاصة يضحون بارواحهم في سبيل تحقيق الاهداف و المبادئ السياسية و الاخلاقية و المعنوية و الثقافية لوطنهم. و كانوا يعتبرون نماذجاً خالدة و ابطالاً لمجتمعاتهم. فالجنود الذين ضحوا بارواحهم من اجل المحافظة علي كبار قادتهم و زعمائهم كانوا يعتبرون اشجع الاشخاص في الحروب و كان يتم تقديرهم. و كانوا يحظون بالاحترام و الفخر بالنظر إلي تضحياتهم الجسمية و النفسية. لكن ثقافة التضحية خاصة قد اوجدت بعد انتصار الثورة الاسلامية و بدء الحرب المفرووضة و كانت غير قابلة لمقارنتها و تقييمها بالمعايير و المقاييس الموجودة. بالرغم من ان مصدر التحولات السياسية قد حدثت في حقب زمنية خاصة و لكن بالنظر إلي انعدام وجود برنامج مدروس للتنمية لهذه الحركات وعدا تنظيمها و ترسيخها فهذه الخصائص باتت تفقد صبغتها في الاقسام الصانعة للثقافة في المجتمع و اتاحت نتيجة ذلك مباشرة بعد انتهاء الحرب المجال لظهور الهجمة الثقافية. احد اكثر المفاهيم الأساسية المطروحة، كان موضوع التضحية و التي كانت بالمعني العرفي تطلق علي اعلي حالات التضحية. فالتضحية و الايثار الفردي و الشخصي عندما تقترن بالمجال التنموي للمجتمع و تغيير ثقافتها ستكون ذات معني. و في غير هذه الحالة فان معظم فائدتها ستبقي في منحي التنمية الاخلاقية للفرد المضحي و تكاملها في مرحلة زمنية قصيرة إن ما يقصد به من هذا المقال هو عرض صورة اجمالية عن مفهوم التضحية مع مصاديق متناسبة و مستويات و حجم التأثيرات المختلفة التي تتركها علي المجتمع. فان التدقيق في البحث في جوانب الترشيد السياسي و «ابداع الطاقات الثقافية» و «ايجاد الهيكليات الاقتصايدية» تشكل موضوعاً لمقال آخر، لكننا سننهي هذا البحث بعرض بعض النقاط في الجانب المسرحي. 1 ينبغي الانتباه إلي الدين لايشكل معتقداً و مناسكاً، اذ أن مفهوم الدين اوسع من المذهب. فالدين ينظم علاقة الانسان و واجباته حيال الله عز و جل و حيال العالم. فالاسلام دين يكون الوحي فيه ازلياً و ابدياً لذلك يبقي هذا الدين جديداً دائماً و هو يستجيب لكافة الحاجات و الدوافع الفطرية البشرية. لذلك انه يشمل كافة الوجوه للحياة البشرية فهذه الوجوه بالنظر إلي حضور الله عزوجل تكون قدسية و اخلاقية. بهذه الرؤية لايكون اي شيئ في العالم غير قدسي بل يكون العالم المخلوق من الله قدسياً. فالانسان ينبغي عليه في مثل هذه الاجواء أن يكون بالضرورة ملتزماً و متعبداً. و لكن اذا لم يكن تعبده من منطلق الاخلاص فسوف لايتحقق هذا الالتزام. و عندما تكون في «اياك نعبد فقط» و لاتكون عبداً لغيره و لأي شيئ و سنتحقق الحرية بمفهومها الاصيل. 2 إن العرض المسرحي المرتبط بثقافة التضحية يمكن ابداعه بواسطة ممثل أن يكون متديناً. فالتدين لايتلخص في تنفيذ المراسم الدينية لأن نتيجة عرض هذه المراسم هي الانضباط الديني و هو الوجود في الاجواء الدينية و هذه الاجواء في الواقع هي اجواء حضور الله عز و جل و التي لاتسمح بحصول اي منكر فيها. فالفرد الديني في هذه الأجواء لحضور الله عز و جل يلاحظ سلوكاً اصولياً و هذا السلوك يكون فطرياً. مثل هذا الفرد اذ اعد عرضاً مسرحياً من اي موضوع كان سيكون عرضه دينياً سواء أكان عرضة في مجال القصص الدينية او في المجال القصصي حول الشؤون اليومية للناس. 3 مفاهيم ثقافة التضحية هي من الشؤون الفطرية و البشرية وكما يقال ستكون النفس اللاواعية للقوم و سيكون العنصر الديني بصورة نوعية أزلية. لذلك إن العرض المرتبط بثقافة التضحية سيكون جذاباً تلقائياً للناس. و يمكن القول إن أكثر المشاهدين عامية سيكونوا المخاطبين للعروض المسرحية الدينية. لأن العرض المسرحي الديني يحقق ارتباطاً بشكل ازلي مع اذهان الناس بشكل شامل و يعمل علي اعادة انتاج هذه الصور و توعيتها. فاذا كان العرض المسرحي يواجه بشكل فطري و طبيعي المفاهيم الدينية و يكون بعيداً عن الدعاية المباشرة او المقاصد السياسية و التحريفات الرائجة الموجودة في الافلام التجارية ذات الظاهر الديني تستطيع هذه المسرحية أن تبني جسور الاتصال مع اوسع الفئات الموجودة في المجتمعات البشرية. 4 إن عرض ثقافة التضحية لايشترط بالقصص الدينية عن الانبياء و الاولياء او عرض المناسك الدينية لأن الدين الجامع لشؤون البشرية يشمل هذا العالم و العالم الآخر. فعلية ان العرض المسرحي الديني يشمل كذلك كافة الشؤون التي تعني الانسان من واقعيات الحياة و المجتمع و في ضوء ذلك يطرح سمو جميع الامور و الكائنات. في التوجه نحو ثقافة التضحية اذا لم يتوفر الاخلاص و الصدق و يكون الهدف منه شيئاً سوي الشؤون الدينية كالتجارة و الأرباح و الافادة من الهيجانات المزيفة امن رأي الزبون او التحريفات من أجل الدعاية العنصرية و السياسية و غيرها، فالفلم حتي اذا كان في الموضوعات و الواقع الديني لايمكن وضعه في الحقل الديني. إن نماذج هذا النوع من العروض الكاذبة بظاهر ديني كثيرة. و ان التصور بانه من خلال التوجه و العرض المباشر للشؤون الدينية بهدف الاعلام المباشر يمكن بلوغ مجال العرض الديني، هو تصور يعمل علي فصل العرض عن وجوهه و يؤدي الي الحقول الاعلامية للفرد و يزول بذلك تأثيره الدائم و القيم الدينية لذلك العرض. و سوف لايكون لنا شيئاً سوي الاعلام المرحلي. معتقداتنا 1- البعض يري باننا لم نصل بعد إلي العرض المسرحي الديني لكنهم يقولون بأن الله بكل شيئ محيط و الدين محيط بكافة الشؤون البشرية. اذن لايمكن التوقع بأن العرض المسرحي يشمل كافة الوجوه او الجوانب الدينية. بل يستطيع كعرض ان يعكس وجهاً من وجوه الدين كثقافة التضحية و السلوك و الحياة الفطرية للإنسان. فاذا كان العرض المسرحي يتناول عرض موضوع ثقافة التضحية و الآخر يتوجه إلي عرض امر الدين، و عرض آخر يتناول وجهاً من الوجوه الفطرية للإنسان فهو يطرح في الواقع الدين الفطري. و إن مجموعة هذه العروض هي التي توجد الاجواء الدينية و العروض الدينية. في عام العروض المسرحية عرضت مسرحيات بمضمون ثقافة التضحية و قد خطي ممثلون في هذا الجاني خطوات و يعتبرون الطلائع في الفن الديني و بعد الثورة عرضت عروض مسرحية مهمة بمضامين دينية و قد اثارت الاجواء الدينية لما بعد الثورة جهوداً كثيرة في هذا السبيل و كانت لها ثمار و نماذج مهمة. فينبغي عدم غض النظر عن ذلك فهذا الغض من النظر و اصدار الاحكام الخاطئة بشأن الافلام قد يؤدي الي احلال حالة من الفتور و الاحباط بين الممثلين المخلصين و المتدينين في بلدنا. 2- إن الاذواق و التعبيرات غير الواضحة في ادارة الفنون المسرحية الايرانية تشكـّل احدي العقبات الاساسية في تحقيق العروض الدينية و تؤدي إلي زعزعة الثقة بالنفس في الممثلين المخلصين و المتدينين لنا مراجعة النصوص الدينية. فانهم لايعلمون هل يمكنهم التعبير عن مشاعرهم ابداعاتهم في الشؤون الدينية او ينبغي عليهم ان يكونوا تابعين للأوامر و ما يجب و ما لايجب الدائم و المتغيرات و وجهات نظر واضعي السياسات المرحلية للعروض المسرحية. لذلك يرون بأن الاقتراب من مجال العروض الدينية يشكـّل امراً خطيراً و معرقلاً. فالكثير من المسرحين المتدينين و اصحاب الاذواق بيننا يرجحون اختبار ابداعاتهم في الحقول الاخري و يرون كذلك من اللازم توسيع الامكانات التقنية في المسرح لتتمكن قوة الخيال في العروض المسرحية الدينية تجسيد حقيقة الدين و ليتمكن العرض المسرحي الديني التوجه نحو الموضوعات سسالدينية الخاصة و لينظروا مقبولية ذلك و تأثيره علي المخاطبين الموجودين اليوم في العالم. 3- ينبغي توضيح الحدود و الموازين للعروض المسرحية الدينية من ناحية الفقه الاسلامي و تكون العلاقة الجارية لحياة و المجتمع علي اساسها كي يمكن من خلال ذلك بلوغ عروض مسرحية مخلصة و قائمة كذلك علي الاخلاق الاسلامية. 4- مازال الكثير من القضايا في تحقيق عرض مسرحي ديني لم يجر الحديث عنه و منها مساحة تدخـّل المدراء و الاقتصاد الحكومي في مجال العرض المسرحي و تقديم تعريف شامل و مانع عن موقع القطاع الخاص في هذا الحقل و كذلك تقديم تعريفات دقيقة عن كافة الامور المطروحة. و لكن لاينبغي أن نتوقع بأن التآزر الفكري لأيام قليلة او كتابة عدد من الكتب و المقالات ستوجد الاستجابة الحتمية في هذا الجانب. لكن الاجواء الحرة من الرؤي المختلفة و المتضادة و وجهات النظر المختلفة المطروحة باتت تصل إلي اسماع الجميع فهذا ببشر بامكانية بلوغ تعريفات دقيقة و التوصل الي سبل اكثر اصولية في هذا الجانب. المسرح الذي يتـّجه في منحي ثقافة التضحية و شكلها الخاص يعني الدفاع المقدس الذي يعني في جانبه النظري امكانية اضفاء الطابع الديني علي الفن و سنحتاج في هذا البحث الي تقديم صورة محددة عن طبيعة الفن او حقيقة الفن. فعلية إن البحث الفني و الدقيق بشأن الفن الديني يتيسر عندما تنكشف لنا حقيقة الفن. مع ذلك نظرةً إلي الطابع النسبي في التعريفات الموجودة بشأن الفن و الدين من الناحية الفلسفية فلا يجب أن نتوقع بأن يحظي مصطلح «الفن الديني» بالوضوح و الشفافية. و لكن مع جميع هذه الاوصاف بما اننا لاننوي تقديم توضيح عن الفن الديني اعتماداً علي التبيين الفلسفي فإننا نستطيع التدقيق في الفن الديني من وجه غير فلسفي و في هذا المنحي سنحاول طرح القضية باشكال أخري. السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو المعيار و الميزان لإضفاء الطابع الديني علي العلوم و مختلف الامور الاخري، و كيف يمكن أن تتصف ادراكاتنا و وعينا بالديانة، حتي يمكن بعد ذلك الحديث عن كيفية نقل مفاهيمٍ كمفاهيم التضحية و متي نتصف الواقعية الخارجية بالصبغة الدينية، كمثال علي ذلك: علي اي اساس يمكن اضفاء الطابع الديني علي الثقافة او الحكومة او علي أثر فني باعتبارها ضمن الواقعيات و اعتبارها الدينية؟ و بذلك عندما نسأل عن المعيار في إضفاء الطابع الديني علي العلوم و مختلف (الشؤون) ما هو المراد من «العلوم»؟ العلوم هي تلك الاشياء التي تكون من جنس العلم و الوعي بالمعني العام لذلك كالفلسفة، و علم الاجتماع و علم النفس و المراد من «الامور» هو الواقعيات الخارجية كالأثر الفني او الحكومة او الثقافة. فالإجابة علي هذا السؤال هناك اربع رؤي يمكن طرحها غير أن هذه الرؤي الاربعة لاتكون علي اساس الحصر العقلي و قد يمكن اضافة رؤي اخري علي ذلك. الرؤية الاولي كل علم عندما يولد بين مجتمع المتدينين بما انه قد انتج من جانب المتدينين يستطيع أن يوصف بالوصوف الديني. اذن عندما نقول: الفن الديني و الحكومة الدينية و علم الاجتماع الديني او الفلسفة الدينية يعني ذلك إن الفن و الثقافة و علم الاجتماع و الفلسفة التي اوجدت من جانب المتدينين. و لكن يبدو أن هذا الملاك و المعيار لاضفاء الطابع الديني علي العلم او علي الاثر الفني لايكون كافياً. و لنفترض أن مجتمع المتدينين قد قبل الحكومة الدكتاتورية ، فهل يمكن اعتبار هذه الحكومة بانها مصداقاً من الحكومة الدينية و الاسلامية ؟ لا، لأن مثل هذه الحكومة لاتتطابق مع اوصاف و خصائص الحكومة الإسلامية هكذا هو الحال بشأن الأثر الفني و الامور الاخري. و يعني ذلك ان كل عمل فني ينتج في المجتمع الديني من جانب الفنانين المتدينين لايعني بالضرورة فناً دينياً و اسلامياً و كان البعض قد تصور بأن الفن الاسلامي هو ما يتم انتاجه من جانب الفنان المسلم و كل ما تنتجه ذهنية هذا الفنان و ضميره و يده و لسانه يكون دينياً و اسلامياً. لكن الحقيقة تكون علي العكس من ذلك. لأن المسلمين و المتدينين و من ضمنهم الفنانين المسلمين يكونوا بشراً قبل كل شيئ و البشر هو ذلك الكائن الذي قد يخطأ و يرتكب الاثم. و في هذه الحالة كيف يمكن الوثوق بأن كل ما ينتج في احضان الفنانين او العلماء المفكرين المسلمين يكون اسلامياً و دينياً. رغم اننا نعتبر هؤلاء الافراد افراداً يتحولون بالآداب و بالسلوك الديني لكن نتاجاتهم الفكرية و العلمية لاتنسجم مع مميزات الرؤية الاسلامية و الدينية و إن امكانية انسجامها لاتكون منتفية. فعلية في رؤية كلية، اذا كان يمكن اتـّصاف الافكار و الاعمال المنتجة في المجتمع الديني و الاسلامي بالاسلامية و الدينية بمعني اعتبار تلك الاعمال و الافكار هي حصيلة نشاط المتدينين و ليس انها تتطابق بالضرورة مع ضوابط الرؤية الاسلامية. الرؤية الثانية المعيار الآخر الذي يمكن ذكره في اضفاء الطابع الديني علي علم من العلوم او علي واقع خارجي (كالعمل الفني في هذا المجال) هو ما اذا كان الدين الاسلامي قد ذكر شيئاًً و ارشاداً و كلاماً «اصلاً» حول ذلك الموضوع فيعتبر ذلك العلم او الواقع الخارجي اسلامياً و دينياً. فعلي اساس هذه الرؤية إن اسلامية العلم او الشيئ و دينية العمل (او الأثر) الفني علي اساس ما جاء حول هذا الموضوع في النصوص الدينية. فعندما نتحدث عن علم الاخلاق الاسلامي او الفقه او الحقوق الاسلامية او الرؤية الشمولية الاسلامية و الدينية، فهذه التعابير كلها صحيحة لأن جانباً كبيراً من الدين الاسلامي يدور حول البحوث الاخلاقية او ان جانباً مهماً من المعارف الدينية يدور حول المسائل الفقهية و الحقوقية و عندما نقول الفن الاسلامي فان ما نقصده من ذلك فنون كالرسم و النحت و الموسيقي التي تحدث عنها الاسلام بشكل واضح. و أنا اشير ايضاً هنا إلي نقطة في اكمال هذه الرؤية و هي اذا كان الاسلام قد تحدث حول موضوع يشكل محدد و واضح فيمكن اعتبار ذلك الموضوع اسلامياً و دينياً. لأن هناك الكثير من البحوث و الموضوعات تكون مطروحة في النصوص الدينية و التي لاتكون مدار البحث في اصلها، بل دار البحث حول موضوع فرعي منها لذلك في مثل هذه الحالات عندما لم يدور الحديث عن موضوع بشكل اساسي. فهل يمكن اعتبار ذلك الموضوع دينياً و اسلامياً بسبب ذكره في النصوص الاسلامية؟ فهذه الرؤية لها من النواقص و حالات من الغموض لايمكن اعتبارها رؤية مقبولة و صحيحة ما لم يتم توضيحها و ازالة الغموض عنها علي اقل تقدير. اولاً اعتماداً علي هذه الرؤية بما انه ستوجد موضوعات كثيرة تحدث عنها الاسلام بشكل اساسي و ليس بشكل فرعي فهذه الموضوعات لايمكن وصفها بالوصف الديني و الاسلامي، فعلية اننا سنواجه وتيرة متنامية من الموضوعات التي لانستطيع قط اصدار الرأي بشأن طابعها الاسلامي او تحولها إلي الطابع الاسلامي. ثانياً إن مفهوم «الأصل» حيال الموضوعات يكون بحاجة إلي تقديم المزيد من التوضيح و الدقة. قلنا لو كان الاسلام قد اعطي رأيه حيال موضوع من الموضوعات من منطلق الأصل فيمكن اعتبار ذلك الموضوع او العلم او الواقع اسلامياً. لكن النقطة الموجودة في هذا الجانب هي ما معني الحديث من منطلق الأصل او الاصلة؟ كمثال علي ذلك عندما نقول من اجل أن يكون لنا علم الاخلاق الاسلامي فالمعيار هنا هو ان الاسلام يكون قد طرح البحوث الاخلاقية اصالتاً ما معني ذلك. و لو أشير إلي «الموضوع» و «الطريقة» و «الغاية» لعلم من العلوم في الاسلام فهل يعتبر ذلك العلم اسلامياً حتي و إن كان ذلك العلم لم يحظ بالاهتمام؟ و هل اذا كانت الاشارة الي قضايا علم الاخلاق بكثرة في الفكر الاسلامي فهل يمكن تسمية ذلك بالاخلاق الاسلامية؟ اضافة إلي ذلك نحن لانعلم ما مدي حجم هذه الكثرة؛ رغم أن الهيكلية الاصيلة لذلك العلم موجودة في الاسلام، أم انه ينبغي أن تكون الاشارة إلي هيكلية ذلك العلم و القضايا المرتبطة بالعلم موجودة ايضا؟ و الخلاصة أن حجم الاشارة إلي العلم و كيفية تلك الاشارة لذلك العلم او الواقعية الخارجية في الاسلام هل تسمح لنا اعتبار ذلك العلم او الواقعية الخارجية اسلامياً؟ فهذا السؤال ما لم تتم الاجابة عليه بشكل كامل و دقيق و واضح لايمكن اعتباره رؤية مطلوبة لاضفاء الطابع الديني او الاسلامي عليه. الرؤية الثالثة: علي اساس هذه الرؤية ان الملاك و المعيار لاعتبار الفن او اي واقع آخر دينياً و اسلامياً هو ان لايتعارض ذلك الفن او الشيئ مع الرؤية الشمولية و القيم الاسلامية و الدينية. فعندما لايتعارض ذلك الموضوع مع الرؤية و القيم الاسلامية و لاتكون له ضدّية مع الاسلام فيحظي ذلك الموضوع بتأييد الاسلام. فعليه اذا كان ذلك الموضوع او فناً او اي شيئ آخر» يعتبر اسلامياً. يبدو ان وجود مثل هذا المعيار او الملاك بمثل هذه الشروط لاعتبار الموضوع دينياً و اسلامياً يكون لازماً و لكن غير كافٍ؛ لان المساحة الموجودة بين كون الشيئ «دينياً» او «مضاداً للدين» تكون واسعة و هي «غير دينية» و التي تمنع اعتبار الرؤية الثالثة صحيحة و كافية و يعني ذلك ان مجرد عدم تعارض الموضوع مع الدين لايعني ذلك الموضوع دينياً. بل يمكن اعتبار ذلك الشيئ غير مضاد للدين و لكن لايعتبر بالضرورة امراً دينياً. اننا من أجل معرفة الموضوع دينياً نكون بحاجة إلي شيئ أكثر من عدم تعارض ذلك الموضوع مع الدين (سواء أكان ذلك علماً او امراً من الامور الواقعية الخارجية كالثقافة و الحكومة و الفن و غير ذلك) و علي هذا الاساس نقول بأن عدم تعارض الموضوع مع الدين يشكل شرطاً لازماً لتوفر الجانب الديني للموضوع و لكن لايكفي ذلك. الرؤية الرابعة: المعيار لكون الأمر دينياً هو بالاضافة إلي ضرورة عدم تعارض ذلك الأمر او الموضوع مع الدين بل ينبغي أن يتعايش و ينسجم تماماً مع الاهداف و الأسس و الرؤي و القيم الدينية و الاسلامية. فهذه الرؤية اضافة إلي انعدام النواقص الموجودة في الرؤي الثلاثة المذكورة يبدو انها اكثر مقدرة من الرؤي السابقة في تبرير الطابع الديني الموجد فيها. و كان النقص في الرؤية الثانية هو ضرورة أن يتحدث عن موضوع في الدين كي نتمكن اعطاء الموضوع صبغة «دينية» و عندما يكون الموضوع منسجماً مع الرؤية الاسلامية و القيم الاسلامية و يكون في اتجاه واحد و منسقاً مع هذه الرؤي و القيم الاسلامية يكفي اعتبار الشيئ اسلامياً. النقص الموجود في الرؤية الثالثة هي عدم تعارض الموضوع مع الدين يشكل شرطاً كافياً لاعتبار الموضوع دينياً. في حين كان هذا الشرط لازماً لاضفاء الطابع الديني عليه الا انه غير كاف. و مع هذه التوضيحات تبين بأن الرؤية الرابعة تكون اكثر مقدرة من الرؤي الثلاثة الاخري في تبرير و تبيين المعيار في دينية الموضوع. و لكن في الوقت نفسه يجب أن نتذكر باننا نقول اكثر مقدرة نسبياً و هذا يعني ان هذه الرؤي في ذاتها لها من النواقص و الغموض. فمن جملة حالات الغموض الاساسية الموجودة في الرؤية الرابعة هي ما هو المعني الدقيق و المضبوط للإنسجام مع الرؤية الاسلامية و القيم الاسلامية؟ اننا قد اعتبرنا هذا الانسجام مع الدين معياراً لاعتبار الشيئ او الموضوع دينياً و لكن في اية حالة نقول بأن الموضوع سواء أكان علماً او فناً او ثقافة او غير ذلك يجب أن ينسجم مع الدين. و بتعبير أدق ما هو المعيار في الانسجام؟ فهل يعني ذلك أن يدور الحديث في الدين حول ذلك الموضوع كي نتمكن من تمييز ذلك الشيئ او الموضوع منسجماً مع الدين ام لا؟ و لو لم يجر الحديث عن الموضوع المذكور في الدين لكنه منسـّق مع «الروح العامة» للعقائد و القيم الدينية هل يكفي اعتبار ذلك الموضوع دينياً؟ في هذه الحالة ما هو المراد من الانسجام مع (الروح العامة للدين)؟ و هل إن تعبير الروح العامة للدين لايكون واضحاً تماماً؟ و هل تكون الروح العامة للدين العبودية لله؟ و هل تعني الروح العامة للدين التوجه نحو العالم الغيبي و عالم ماوراء الطبيعة او الآخرة؟ و هل تشمل الروح العامة للدين كافة الحالات المذكورة حيث لاتتعارض مع بعضها و اخيراً ما يعني انسجام الموضوع مع الدين؟ بالنظر إلي النقد القصير الذي تحدثنا عنه بشأن الرؤية الرابعة و تحدثنا عن غموض (معيار الانسجام) ، و لكن في نفس الوقت يبدو ان هذه الرؤية يجدر الدفاع عنها اكثر من الرؤي الاخري المذكورة كما يمكن توضيح الانسجام بشكل يمكن من خلال ذلك اصدار الرأي بشأن الجانب الديني. من المناسب هنا أن نذكر الشهيد مطهري و رؤيته في مجال العلم المفيد من وجهة النظر الاسلامية و ينقل سماحته في مجالات مختلفة عند حديثه عن العلم الواجب او العلم المفيد و النافع من وجهة النظر الاسلامية ينقل كلاماً عن الامام الغزالي و اعتبر كلامه هذا كافياً لتوضيح العلم المفيد و الواجب من الناحية الاسلامية. ففي اجابته علي سؤال يتعلق بماهية العلم الواجب و النافع الذي يوصي بتعلمه في الروايات الاسلامية و ما هو ذلك العلم؟ فالغزالي له كلمة كما حظيت بتأييد فيض كاشاني فيقول الغزالي في هذا الجانب: العلوم تكون علي قسمين البعض منها يهدف اليها الاسلام في ذاتها لذلك تكون هذه العلوم واجبة، كمعرفة الله. لكن بعض العلوم لاتشكل نفسها هدفاً بل تكون وسيلة لبلوغ احد اهداف الاسلام. فالشهيد مطهري يقول: فعلية في الاسلام اما يكون العلم هدفاً و اما ان يكون العلم مقدمة لبلوغ الهدف. فاينما كان العلم هدفاً يكون تعلـّمه واجباً و اما أن لايكون العلم هدفاً بل يكون ذلك العلم وسيلة لتحقيق احد الاهداف الاسلامية و اذا كان الوصول الي هدف من الاهداف الاسلامية يتوقف علي اقتناء ذلك العلم فيكون ذلك العلم مقدمة للواجب و يكون واجباً ايضاً. و يقول أن تعلـّم العقائد الاسلامية يشكـّل امراً واجباً عينياً و يكون تعلم علم الطبابة او علم التجارة واجباً كفائياً لأن المجتمع الاسلامي يحتاج بدوره إلي علوم مختلفة كالطبابة او الاقتصاد او التجارة و امثالها. فالرابط بين حديثه من موضوع هذا البحث هو هل يمكن اعتبار المعيار الديني للعلم هو اما يكون العلم مطلوباً في الاسلام و اما ان يكون مقدمة لبلوغ احد الاهداف الاسلامية. يبدو بغض النظر عن الاختلاف الموجود في التعابير فان تبيين الشهيد مطهري للعلم المطلوب في الاسلام يكون اقرب الي الرؤية الرابعة التي تحدثنا عنها، رغم وجود بعض الفروق بينهما. و يعني ذلك انه يعتبر العلم اسلامياً و دينياً أن يكون العلم في حد ذاته مؤيداً من جانب الدين و اوصي به الاسلام و اما ان يكون ذلك العلم قد حظي بتأييد الدين بالنظر إلي انسجامه مع الرؤية الاسلامية والقيم الاسلامية. و قد عبـّر الشهيد مطهري عن ذلك بالواجب العيني و الواجب الكفائي، لكن الشيئ الواضح هو ان سماحته قد عبـّر عن المسألة بشكل آخر يختلف عما طرحناه في هذا الجانب. إن سؤالنا الاساسي هو: ما هو المعيار لاعتبار دينية العلم ( والواقع الخارجي)؟ السؤال الذي يطرحه هو ما هو العلم الذي يكون تعلمه واجباً او ما هو العلم النافع و المفيد؟ و لكن كما ذكرنا بغضّ النظر عن التعابير فأن سؤال الشهيد مطهري يكون قابلاً للتأويل حيال السؤال السابق. اضافة إلي كون السؤال الاول اشمل من سؤال الشهيد مطهري لانه لايشمل العلم فقط بل يشمل الامور الخارجية الاخري. و مع ذلك و في المجموع يمكن القول بان العلم يكون اسلامياً و دينياً اذا كان يحظي برؤية اسلامية و دينية ايجابية و مساعدة. لكن بعض هذه العلوم تكون في اصلها مطلوبة و البعض منها بما أنها تكون وسيلة لبلوغ الاهداف و القيم الاسلامية فتكون مطلوبة. و بتعبير آخر إن بعض هذه العلوم قد حظيت بالاعتماد بشكل محدّد و جاء في النصوص الدينية كالعلم الكوني و العلم الالهي و الاخلاق و الحقوق و البعض منها لم يحظ بالاهتمام بشكل مباشر الا انها تكون وسيلة لبلوغ الهدف الاسلامي فتكون واجبة. كما يلاحظ عندما يكون العلم في ذاته مطلوباً و يتحدث الدين عنه بشكل مستقل كالعلم الالهي (معرفة الله) و هناك علم لايكون مطلوباً لكنه يشكل مقدمة لبلوغ الأمر الواجب فيكون ذلك العلم واجباً ايضاً و دينياً و اسلامياً و اما أن يكون في منحي محاربة اعداء المجتمع الاسلامي. إن ما يمكن قوله في دراسة رؤية الشهيد مطهري و اختلافها مع الرؤية الرابعة يمكن القول: انه اولاً: إن هذه الرؤية تعتمد اكثر علي الرؤية الفقهية و تحاول تبرير الجانب الديني او ذيلية الجانب الديني للعلم في حين لاتكون الرؤية الرابعة محصورة بالرؤية الفقهية و انها تتناول الموضوع اوسع من الزاوية الفقهية لتعيين المعيار في دينيته. ثانياً ان دينية علم الفيزياء او الكيمياء و امثالها تكون بمعني واحد مع دينية العلم بالله و الرسل و امثال ذلك؟ فالعلم بالله و الرسل و الملائكة و امثال ذلك بما انها جاء الحديث عنها في النصوص الدينية و تكون مطلوبة و مستقلة تعتبر دينية. لكن علوماً كالفيزياء و الكيمياء تكون مطلوبة من الناحية الدينية رغم عدم وجود الحديث عنها في النصوص الدينية لكن يستفاد منها في مسيرة الاهداف الاسلامية فتكون واجبة من الناحية الدينية. كما لوحظ هناك فرق بين هذين النوعين من المطلوبية للعلم. و يعني ذلك وجود فرق بين العلم الذي يدور الحديث عنه بشكل مستقل و مطلوب في الدين و العلم الذي يعتبر مقدمة لبلوغ هدف مطلوب آخر لكن لم يجر الحديث عنه في النصوص الدينية بشكل جاد و بتعبير آخر، النوع الاول من العلم يكون دينياً و مطلوباً و النوع الثاني من العلم يكون ايضاً دينياً و مطلوباً. لكن العلم الديني من النوع الاول يكون اقرب إلي الرؤية الثانية من الرؤي الاربعة المذكورة لأن الملاك في هاتين الرؤيتين هو التوصية المحددة و المستقلة للدين بذلك العلم و العلم الديني من النوع الثاني يكون اقرب الي الرؤية الرابعة لأن الملاك هو التأييد غير المباشر و انسجام ذلك العلم مع اهداف الدين. فعلية يكون الملاك او المعيار في دينية العلم و المعني للجانب الديني للعلم رغم التعبير عنه كاساس لدي الشهيد مطهري لكنهما يعودان إلي اساسين مختلفين. و في هذه الحالة هل يمكن القول بأن الاساس الاول و الثاني او بتعبير آخر بناء علي تقسيماتنا لايوجد فرق بين الرؤية الثانية و الرابعة. و كان اضفاء الطابع الديني علي العلم و اعتبار العلم دينياً لايمكن الجمع بينهما علي اساس واحد بل ينبغي الافادة من الاساس الخاص في كل مجال. ففي هذه الوضعية كيف يمكن اعتبار اصول العقائد الدينية واجبة بذلك المقدار و المعني الذي اعتبرنا فيه الفيزياء و الكيمياء في مرحلة من المراحل الزمنية امراً دينياً و اسلامياً؟ و كان الطابع الديني قد تحول هنا إلي لفظ مشترك و مشترك لفظي له معان مختلفة و علي أقل تقدير لايكونان متساويين و بمقدار علم معرفة الله مع علم التجارة باعتبارها مقدمة لبلوغ احد المقاصد الاسلامية، دينياً و اسلامياً. إن ما يمكن قوله بشكل اجمالي من المواضيع المطروحة في مجال المعايير الدينية لاضفاء الطابع الديني علي علم من العلوم او الامور الخارجية الاخري يمكن الاستنتاج بانه يكون من الصعوبة وضع معيار و ملاك موحّد يمكن من خلاله في جميع المواضيع تمييز و تقييم الواقع الديني عن الواقع غير الديني للشيئ و لايمكن اعتبار أية واحدة من الرؤي الاربعة السابقة و كذلك رؤية الشهيد مطهري لوحدها معياراً في كافة الامور و ملاكاً كافياً و كاملاً لتمييز العلم او الواقع الديني عن غيره، رغم أن بعض الرؤي كالرؤية الثانية و الرؤية الرابعة تحظي بقوة و مقدرة اكثر لتقييم دينية العلوم و الظواهر الخارجية و لكن في المجموع إن كل واحدة مع الاخذ بنظر الاعتبار ما تم تبيينه تتوجه نحو تبرير و تبيين الفن الديني و الاسلامي. كما ذكرنا قبل هذا بأن لكل فن صورة و سيرة و الاسلام باعتباره كدين يكون ذا مقدرة في منح الشكل لصورة الفن و كذلك اضفاء المعني لسيرة الفن. فالأثر الفني من اي موضوع كان المسرح و السينما و صنع التماثيل و الرسم و الموسيقي و الشعر و ما إلي ذلك تحظي بصورة و سيرة و إن الصورة لها تكون حصيلة نوع من المهارة و التقنية و سيرتها تكون قائمة علي نوع من المعرفة و الوعي. فالدين يكون في هذا الجانب مؤثراً علي المهارة و التقنية للعمل الفني و كذلك علي المعرفة و المضمون . و قد لايمكن معرفة و مدي تدخل الدين في كافة الميادين و الحقول الفنية بشكل متساوي. كمثال علي ذلك إن تدخـّل الدين في منح الشكل لصورة من الرسم اكثر من تدخله في منح الشكل لصورة الشعر. مع ذلك كنموذج من ذلك ان المسرح الديني ليس ذلك المسرح الذي يحظي بالمضمون الديني و الاسلامي فقط ، بل ينبغي ان نتطابق الصور و الاشكال التي تعرض محتوي تلك المسرحية مع الضوابط و الرؤي الشمولية الدينية و الاسلامية. او العكس من ذلك اذا كانت اشكال و صور المسرحية متناسقه مع الضوابط الدينية لكن رسالة تلك المسرحية و محتواها لاتنسجم مع القيم و الاهداف الدينية فالمسرحية المذكورة مازالت غير دينية. المسرحية الدينية تتحقق عندما تكون صورتها و سيرتها قائمة علي القيم و الاهداف و الموازين الدينية. لكن الموازين الدينية ينبغي أن تشمل بوسعتها كافة القيم الانسانية و البشرية الرفيعة. فدينية الشيئ او تحويله إلي طابع ديني له من المراتب. يعني ذلك اننا نستطيع ان نتحدث عن الجانب الديني و الاكثر دينية، لذلك قد يكون العمل الفني دينياً في صورته و لكن من حيث المحتوي لايكون دينياً او العكس من ذلك يكون دينياً من حيث المضمون و الرسالة التي يحملها و لكن من ناحية الصورة لايكون دينياً. (او ليس بالضرورة مضاداً للدين). و قد يكون العمل الفني دينياً في صورته و محتواه، و لكن يمكن العمل لاضفاء المزيد من الطابع الديني عليه. فالعمل الفني الخاص هو ذلك العمل الذي يكون فيه الطابع الديني ملحوظاً في صورته و محتواه بشكل جاد و شفاف. رغم اننا لاننكر بأن الصورة و المحتوي للعمل الفني الموجود في الخارج ممزوجان مع بعضهما حيث يكون من الصعب الفصل بينهما و القيام بتقييم كل واحدة منهما بشكل مستقل. بالنظر إلي الاداء الفني الديني و مكانته في الحياة البشرية قد يكون من الصعب القول بأن الفن الديني الاسلامي كانت له كذلك اداءات سلبية و تم استغلالها في مسير الباطل كما كانت له ادات ايجابية لذلك لو اردنا التعريف بالفن الديني الاسلامي علي اساس اداءاته الايجابية نستطيع أن نقول: ان الفن الديني هو ذلك الفن الذي يخرج الفرد من حالات الاسر و الوساوس و الاهواس و يظهر الله بكل عظمة و اجلال و جمال في انظار الفرد. فالفن الديني ينظر إلي الحق و يبحث عن الحق و يحارب كل صورة من الظلم و الباطل و ما هو قبيح و يمنح الفرد هموماً سامية و يأخذ منه همومه الحقيرة و يمنح للفرد حالات الانبساط و الاندهاش العميق في نفسه و ينقذه من حالات الفرح الطفولية. الفن الديني يشكل الجناح و الريش للتحليق من القفص الضيق للزمان و المكان و فرصة للتنفس في المجالات اللازمان و اللامكان الواسعة الفن الديني يشكـّل واقع من جنس الطريق اكثر من جنس المقصد، و لذلك يمثل دعوة للعبور و ليس تأكيداً للمكوث. الفن الديني يشكل دلالة علي اللهفة و الالتهاب للروح غير المستقرة المتجهة نحو الابدية و خلاصة الكلام هي ان الفن الديني لايشكل شيئاً سوي فن التعشق و فن العاشقين. التضحية و الفن الديني و الآن نستعرض بشكل محدّد احد فروع الفن الديني المتمثل في ترويج ثقافة التضحية و تجسيد ذلك علي خشبة المسرح. إن مفهوم التضحية او الايثار احد المفاهيم الاساسية في العلوم الانسانية و في الفلسفة الاخلاقية خاصة حيث يمكن أن يكون لها منحاً مختلفاً. منحاً في الجانب المعرفي و منحاً دينياً. ففي الرؤية المعرفية يمكن اعتبار التضحية بانها ذات مفهوم نظري و تكون عامة و شمولية في العالم و لاتختص بمجتمع خاص و تكون سارية و جارية في كافة المجتمعات البشرية. و بشكل عام يمكن اعتبار التضحية نوعاً من الاعمال التي تنجز من اجل الآخر و اجتياز المصالح الشخصية بل و من اجل مصلحة الآخرين. إن اهم خصوصية ينطوي عليها مفهوم التضحية تتمثل في المعتقد القائم علي العمل. و يعني ذلك يظهر في المجتمع نوع من التحول الاستعلائي في بناء الوعي للفرد و المجتمع. ثم يتحول هذا التحول في المجال العملي الي العمل الفردي و الجمعي و يتم تكريس ذلك فيه. لو كنا نعتبر التضحية بانها عمل من اجل الآخر فان دائرة شمول المضحين ستكون اوسع بكثير و بعبارة اخري حتي التحول الذهني للفرد حيال ترجيح الشيئ او الفرد او المعتقد علي الذات سيكون عملاً تضحوياً، رغم حصول التجسيد العيني لذلك. و لكن في المنحي الايدولوجي حيث تكون نسبته مع الرؤية الواسعة المعرفية و وجود المعرفة، عموم و خصوص مطلق فيطلق المضحي علي من يغض النظر عن روحه و مصالحه من اجل معتقده و عقيدته الخاصة ( و التي تكون لها صبغة دينية و ميتافيزيقية). فالنقطة هنا ان تكريم المضحين و تكريم التضحية يعتبر كرامة انسانية. اننا نكون احوج الي طرحنا التضحية كمفهوم رفيع انساني اكثر من مفهوم ديني. التضحية و التحرر في الفلسفات الاخلاقية و ماوراء الاخلاق تشكل وهماً جاداً و جديراً بالتأمل. و خاصة في الفلسفة الوجودية التي تطرح فيها الظروف الحدية و الحدودية حيث يطرحون «عنف العشق» باعتباره امراً مقبولاً اخلاقياً امام «عنف الكراهية» يتوضح فيها اعتبار لمفهوم التضحية و الشهادة، ينبغي علينا في الجانب العلمي التوجه نحو تكريم المضحين. فالشهداء و المضحين يحتلون موقع التكريم و انهم لايحتاجون الي تكريمنا. و إن تكريم عوائلهم و ذويهم يعكس ان النشاطات و الشؤون التضحوية تكون مأجورة و مشكورة كما انها تشكل الضمانة للأمن القومي امام المخاطر و الاحداث القابلة للتكهن في المستقبل. ففي حالة عدم الاشادة بالتضحية و لايواجه المضحون القدر و المنزلة فلا يمكن عقد الأمل علي حدوث أية مساعدة و تضحية في الاحداث المستقبلية. إن تكريم عوائل الشهداء و المضحين لاينبغي أن ينحصر في الاشادة اللفظية و اللسانية، فينبغي علينا التقليل من عقد المؤتمرات و الندوات و اطلاق الخطب و الشعارات التي لاجدوي فيها بل العمل نحو زيادة قدرات المضحين في مختلف الجوانب. علينا أن لاننسي بأن القصد من ايصال الخدمات لهؤلاء لايعني الاكتفاء بتقدم الدعم و الخدمات المادية المعيشية لهم بل إن هذه الخطوة تكون ضمن الواجبات البديهية و الابتدائية لكل حكومة و لاتكون الحاجة الي وجود مؤسسات طويلة و عريضة حكومية في هذا المجال. فالقصد من ذلك مثلاً في حقل التعليم العالي و الدراسة الجامعية بدل منحهم الحصص للدراسة الجامعية و التي يكون لها تالياً فاسداً و الاتهام بوجود التمييز بينهم و غيرهم العمل نحو رفع القدرات العلمية للمضحين و لاسرهم و اتاحة المجالات اللازمة لرفع مستواهم العلمي و دون شك سيكون خير و مصلحة الشعب و الحكومة في هذا الشيئ. الحديث عن التضحية اما الحديث عن ثقافة التضحية متي و من أين مكان قد بدأ؟ لقد كان استخدام مفهوم التضحية طوال التاريخ مطروحاً في الاقسام الخاصة و خاصة في العمليات الحربية و كان الجنود و المقاتلون خاصة يضحون بارواحهم في سبيل تحقيق الاهداف و المبادئ السياسية و الاخلاقية و المعنوية و الثقافية لوطنهم. و كانوا يعتبرون نماذجاً خالدة و ابطالاً لمجتمعاتهم. فالجنود الذين ضحوا بارواحهم من اجل المحافظة علي كبار قادتهم و زعمائهم كانوا يعتبرون اشجع الاشخاص في الحروب و كان يتم تقديرهم. و كانوا يحظون بالاحترام و الفخر بالنظر إلي تضحياتهم الجسمية و النفسية. لكن ثقافة التضحية خاصة قد اوجدت بعد انتصار الثورة الاسلامية و بدء الحرب المفرووضة و كانت غير قابلة لمقارنتها و تقييمها بالمعايير و المقاييس الموجودة. بالرغم من ان مصدر التحولات السياسية قد حدثت في حقب زمنية خاصة و لكن بالنظر إلي انعدام وجود برنامج مدروس للتنمية لهذه الحركات وعدا تنظيمها و ترسيخها فهذه الخصائص باتت تفقد صبغتها في الاقسام الصانعة للثقافة في المجتمع و اتاحت نتيجة ذلك مباشرة بعد انتهاء الحرب المجال لظهور الهجمة الثقافية. احد اكثر المفاهيم الأساسية المطروحة، كان موضوع التضحية و التي كانت بالمعني العرفي تطلق علي اعلي حالات التضحية. فالتضحية و الايثار الفردي و الشخصي عندما تقترن بالمجال التنموي للمجتمع و تغيير ثقافتها ستكون ذات معني. و في غير هذه الحالة فان معظم فائدتها ستبقي في منحي التنمية الاخلاقية للفرد المضحي و تكاملها في مرحلة زمنية قصيرة إن ما يقصد به من هذا المقال هو عرض صورة اجمالية عن مفهوم التضحية مع مصاديق متناسبة و مستويات و حجم التأثيرات المختلفة التي تتركها علي المجتمع. فان التدقيق في البحث في جوانب الترشيد السياسي و «ابداع الطاقات الثقافية» و «ايجاد الهيكليات الاقتصايدية» تشكل موضوعاً لمقال آخر، لكننا سننهي هذا البحث بعرض بعض النقاط في الجانب المسرحي. 1 ينبغي الانتباه إلي الدين لايشكل معتقداً و مناسكاً، اذ أن مفهوم الدين اوسع من المذهب. فالدين ينظم علاقة الانسان و واجباته حيال الله عز و جل و حيال العالم. فالاسلام دين يكون الوحي فيه ازلياً و ابدياً لذلك يبقي هذا الدين جديداً دائماً و هو يستجيب لكافة الحاجات و الدوافع الفطرية البشرية. لذلك انه يشمل كافة الوجوه للحياة البشرية فهذه الوجوه بالنظر إلي حضور الله عزوجل تكون قدسية و اخلاقية. بهذه الرؤية لايكون اي شيئ في العالم غير قدسي بل يكون العالم المخلوق من الله قدسياً. فالانسان ينبغي عليه في مثل هذه الاجواء أن يكون بالضرورة ملتزماً و متعبداً. و لكن اذا لم يكن تعبده من منطلق الاخلاص فسوف لايتحقق هذا الالتزام. و عندما تكون في «اياك نعبد فقط» و لاتكون عبداً لغيره و لأي شيئ و سنتحقق الحرية بمفهومها الاصيل. 2 إن العرض المسرحي المرتبط بثقافة التضحية يمكن ابداعه بواسطة ممثل أن يكون متديناً. فالتدين لايتلخص في تنفيذ المراسم الدينية لأن نتيجة عرض هذه المراسم هي الانضباط الديني و هو الوجود في الاجواء الدينية و هذه الاجواء في الواقع هي اجواء حضور الله عز و جل و التي لاتسمح بحصول اي منكر فيها. فالفرد الديني في هذه الأجواء لحضور الله عز و جل يلاحظ سلوكاً اصولياً و هذا السلوك يكون فطرياً. مثل هذا الفرد اذ اعد عرضاً مسرحياً من اي موضوع كان سيكون عرضه دينياً سواء أكان عرضة في مجال القصص الدينية او في المجال القصصي حول الشؤون اليومية للناس. 3 مفاهيم ثقافة التضحية هي من الشؤون الفطرية و البشرية وكما يقال ستكون النفس اللاواعية للقوم و سيكون العنصر الديني بصورة نوعية أزلية. لذلك إن العرض المرتبط بثقافة التضحية سيكون جذاباً تلقائياً للناس. و يمكن القول إن أكثر المشاهدين عامية سيكونوا المخاطبين للعروض المسرحية الدينية. لأن العرض المسرحي الديني يحقق ارتباطاً بشكل ازلي مع اذهان الناس بشكل شامل و يعمل علي اعادة انتاج هذه الصور و توعيتها. فاذا كان العرض المسرحي يواجه بشكل فطري و طبيعي المفاهيم الدينية و يكون بعيداً عن الدعاية المباشرة او المقاصد السياسية و التحريفات الرائجة الموجودة في الافلام التجارية ذات الظاهر الديني تستطيع هذه المسرحية أن تبني جسور الاتصال مع اوسع الفئات الموجودة في المجتمعات البشرية. 4 إن عرض ثقافة التضحية لايشترط بالقصص الدينية عن الانبياء و الاولياء او عرض المناسك الدينية لأن الدين الجامع لشؤون البشرية يشمل هذا العالم و العالم الآخر. فعلية ان العرض المسرحي الديني يشمل كذلك كافة الشؤون التي تعني الانسان من واقعيات الحياة و المجتمع و في ضوء ذلك يطرح سمو جميع الامور و الكائنات. في التوجه نحو ثقافة التضحية اذا لم يتوفر الاخلاص و الصدق و يكون الهدف منه شيئاً سوي الشؤون الدينية كالتجارة و الأرباح و الافادة من الهيجانات المزيفة امن رأي الزبون او التحريفات من أجل الدعاية العنصرية و السياسية و غيرها، فالفلم حتي اذا كان في الموضوعات و الواقع الديني لايمكن وضعه في الحقل الديني. إن نماذج هذا النوع من العروض الكاذبة بظاهر ديني كثيرة. و ان التصور بانه من خلال التوجه و العرض المباشر للشؤون الدينية بهدف الاعلام المباشر يمكن بلوغ مجال العرض الديني، هو تصور يعمل علي فصل العرض عن وجوهه و يؤدي الي الحقول الاعلامية للفرد و يزول بذلك تأثيره الدائم و القيم الدينية لذلك العرض. و سوف لايكون لنا شيئاً سوي الاعلام المرحلي. معتقداتنا 1- البعض يري باننا لم نصل بعد إلي العرض المسرحي الديني لكنهم يقولون بأن الله بكل شيئ محيط و الدين محيط بكافة الشؤون البشرية. اذن لايمكن التوقع بأن العرض المسرحي يشمل كافة الوجوه او الجوانب الدينية. بل يستطيع كعرض ان يعكس وجهاً من وجوه الدين كثقافة التضحية و السلوك و الحياة الفطرية للإنسان. فاذا كان العرض المسرحي يتناول عرض موضوع ثقافة التضحية و الآخر يتوجه إلي عرض امر الدين، و عرض آخر يتناول وجهاً من الوجوه الفطرية للإنسان فهو يطرح في الواقع الدين الفطري. و إن مجموعة هذه العروض هي التي توجد الاجواء الدينية و العروض الدينية. في عام العروض المسرحية عرضت مسرحيات بمضمون ثقافة التضحية و قد خطي ممثلون في هذا الجاني خطوات و يعتبرون الطلائع في الفن الديني و بعد الثورة عرضت عروض مسرحية مهمة بمضامين دينية و قد اثارت الاجواء الدينية لما بعد الثورة جهوداً كثيرة في هذا السبيل و كانت لها ثمار و نماذج مهمة. فينبغي عدم غض النظر عن ذلك فهذا الغض من النظر و اصدار الاحكام الخاطئة بشأن الافلام قد يؤدي الي احلال حالة من الفتور و الاحباط بين الممثلين المخلصين و المتدينين في بلدنا. 2- إن الاذواق و التعبيرات غير الواضحة في ادارة الفنون المسرحية الايرانية تشكـّل احدي العقبات الاساسية في تحقيق العروض الدينية و تؤدي إلي زعزعة الثقة بالنفس في الممثلين المخلصين و المتدينين لنا مراجعة النصوص الدينية. فانهم لايعلمون هل يمكنهم التعبير عن مشاعرهم ابداعاتهم في الشؤون الدينية او ينبغي عليهم ان يكونوا تابعين للأوامر و ما يجب و ما لايجب الدائم و المتغيرات و وجهات نظر واضعي السياسات المرحلية للعروض المسرحية. لذلك يرون بأن الاقتراب من مجال العروض الدينية يشكـّل امراً خطيراً و معرقلاً. فالكثير من المسرحين المتدينين و اصحاب الاذواق بيننا يرجحون اختبار ابداعاتهم في الحقول الاخري و يرون كذلك من اللازم توسيع الامكانات التقنية في المسرح لتتمكن قوة الخيال في العروض المسرحية الدينية تجسيد حقيقة الدين و ليتمكن العرض المسرحي الديني التوجه نحو الموضوعات سسالدينية الخاصة و لينظروا مقبولية ذلك و تأثيره علي المخاطبين الموجودين اليوم في العالم. 3- ينبغي توضيح الحدود و الموازين للعروض المسرحية الدينية من ناحية الفقه الاسلامي و تكون العلاقة الجارية لحياة و المجتمع علي اساسها كي يمكن من خلال ذلك بلوغ عروض مسرحية مخلصة و قائمة كذلك علي الاخلاق الاسلامية. 4- مازال الكثير من القضايا في تحقيق عرض مسرحي ديني لم يجر الحديث عنه و منها مساحة تدخـّل المدراء و الاقتصاد الحكومي في مجال العرض المسرحي و تقديم تعريف شامل و مانع عن موقع القطاع الخاص في هذا الحقل و كذلك تقديم تعريفات دقيقة عن كافة الامور المطروحة. و لكن لاينبغي أن نتوقع بأن التآزر الفكري لأيام قليلة او كتابة عدد من الكتب و المقالات ستوجد الاستجابة الحتمية في هذا الجانب. لكن الاجواء الحرة من الرؤي المختلفة و المتضادة و وجهات النظر المختلفة المطروحة باتت تصل إلي اسماع الجميع فهذا ببشر بامكانية بلوغ تعريفات دقيقة و التوصل الي سبل اكثر اصولية في هذا الجانب.
رایکم
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* التعلیق:
جدید‬ الموقع