رمز الخبر: 218504
تأريخ النشر: 15 May 2013 - 00:00

الشعر العرفاني و مفهوم الشهادة في الاشعار العرفانية

العرفان و الشهادة هما من جملة المواضيع المهمة التي ابدي الشعراء و الكتـّآب بهما اهتماماً خاصاً الاهتمام بالعرفان و خاصة في السبك العراقي بلغ ذروتة. و كان الكثير من كبار شعرائنا من العارفين و لهم اشعار عرفانية قيمة. و قد شهدت االفترة ما بين اواخر القرن الخامس و حتي اواخر القرن الثامن الهجري تنامياً و توسيعاً المفاهيم العرفانية و الصوفية.


العرفان و الشهادة هما من جملة المواضيع المهمة التي ابدي الشعراء و الكتـّآب بهما اهتماماً خاصاً الاهتمام بالعرفان و خاصة في السبك العراقي بلغ ذروتة. و كان الكثير من كبار شعرائنا من العارفين و لهم اشعار عرفانية قيمة. و قد شهدت االفترة ما بين اواخر القرن الخامس و حتي اواخر القرن الثامن الهجري تنامياً و توسيعاً المفاهيم العرفانية و الصوفية. و قد عثر هذا الاتجاه مرة اخري و بعد انتصار الثورة الاسلامية و خاصة ابان الحرب المفروضة علي استعادة نمائه الماضي و يتوجه الكثير من المقاتلين الي جبهات الحرب متوسلين بقضية تطوع الامام الحسين (ع) للشهادة و يبدعون بذلك صوراً بديعة من العرافان و الشهادة. و قد شارك في هذه المائدة المستديرة كل من الدكتور صابر امامي و السيد هادي جهان آبادي و الدكتور علي شفاهي و السيد احمد نادمي و السيد ضياء الدين قاسمي و تحدثوا عن الشعر العرفاني و مفهوم التطوع للشهادة في هذا النوع من الشعر. و كان المسؤول لادارة هذه المائدة المستديرة احمد رنجيـر. س. مراسل الفصلية: لو رغبتم ان نبدأ الحديث هكذا و هو: كان لدينا الكثير من العارفين و الشعراء العظام الذين استشهدوا. و السؤال المطروح حالياً هو ما مدي ترويج هؤلاء لثقافة التطوع للشهاد في كتاباتهم و اشعارهم؟ ج. قاسمي: في عرفاننا الماضي الذي بقي مستمراً حتي القرنين التاسع و العاشر الهجري يخرج الي حد ما و بشكل آخر في السبك الهندي كذلك، الحديث يدور حول وجود سبع مراحل و لا يمكن غض النظر عن ذلك. و قد جاء في كافة الكتابات العرفانية بان معظم عرفائنا يكونوا في المرحلة السادسة و في الوادي السادس. فعندما ندرس الموضوع نجد الخيّام كان ينوي التوجه نحو وادي الشهادة لكنه يبقي يتخبط في عالم الحيرة يبلغ تارة الي الشطحيات. و في الواقع يكون هذا الوادي خطيراً جداً. و هناك شرط موجود بين العارفين و هو ان لا يعلنوا اسرارهم و يبدأوا كتمان السر هذا حتي المرحلة السادسة التي يقترب فيها العارف الي معبوده و معشوقه. و فجأة يواجه صدمة اذ يري نفسه امام اشياء كان لايفكر قط الوصول اليها. فحفظ هذه الاسرار و التأكيد عليها في المرحلة السادسة تؤدي الي وضع الشهادة في حالة من الغموض و يعني التوصية تدور حول عدم افشاء موضوع الشهادة. كما يشير الشاعر حافظ الي هذه النقطة عندما يقول: گفت آن يار كزو گشت سردار بلند جرمش آن بود كه اسرار هويدا مي كرد قال:الجيب الذي اعتلت المشنقه بشنقه كانت جريمته لانه كان يكشف الاسرارا و القصد من ذلك الشهادة العرفانية. و لكن الي جانب هذه الشهادة هناك شهادة جسمية ايضاً و هي تلك الشهادة التي بلغها كل من عين القضاة و السهروردي و غيرهما. النقطة التي اود الحديث عنها هي بالنظر الي المشاكل الموجودة في هذا السبيل لم يبلغ الكثير من عرفائنا الكبار الي مرحلة الفناء في الله. و اذا ما بلغوا تلك المرحلة لم يبق امامهم زمن ليشيروا الي ذلك كما يشير سعدي الي هذه النقطة فيقول: عاشقان كشتگان معشوقند برنيايد از كشتگان آواز العشاق كلـّهم قتلي العشيق و لا يصدر من القتلي اي صوت و في الواقع ينوي سعدي ان يقول انه لا تطلب مني الشهادة- و هو يقصد بذلك الشهادة العرفانية- و يعني ذلك اننا لا نستطيع التعبير عن شيئ. و هذا ما يؤكد علي ضرورة المحافظة علي الاسرار. اذن للشهادة العرفانية تعريفها و خصوصيتها الخاصة بها و لا نعني بالضرورة الشهادة العينية و الخارجية. السيد شفاهي- نعم حتي الشهادة يمكن ان نعبر عنها بمعني رؤية المعشوق بالعشيق. و في موضوع «الفناء في الله» لا يدور الحديث عن الشهيد بل يدور حول موضوع الفناء و التوحيد. و الشهادة هنا تعني رؤية العشيق من قرب چشم دل باز كن كه جان بيني آن چه ناديدني است آن بيني لو فتحت عين القلب الروح تراها و تري اشياء ما كنت تراها امامي: الشهادة هي كلمة الشهود و أخذت بمعني اللقاء و بلوغ الحق. و في الثقافة الاسلامية تكون للشهادة مساحة واسعة جداً. كمثال علي ذلك لدينا حديث يقول اذا قتل الطالب في سفرة لتحصيل العلم و الدراسة يعتبر شهيداً. و اذا دخل لص في بيت رجل مؤمن و الرجل يشتبك مع اللص و يقتل فيعتبر شهيداً لانه دافع عن ناموسه و عن الحق. فعليه إن كلمة الشهادة لها مساحة واسعة في الاسلام احدها المقتل في ميادين الحرب في سبيل الله. النقطة المهمة الموجودة حول الشهادة- عرفانية كانت أم جسمانية هي ان الفرد بعد الشهادة يلتقي بالله عز و جل. و في الواقع يحظي بتلك اللياقة و المنزلة التي تؤهله لازالة الحواجب الموجودة بينه و بين الحق المتعال و في العرفان يكون المعتقد هو من اجل بلوغ مرحلة ازالة الحجب لا يكون من اللازم فقدان المادة و الجسم و قد يتمكن العارف في هذه الحياة الاعتيادية و اليومية بلوغ هذه المرحلة من الحياة. السيد نادمي: ينبغي القول بان الشهادة تكون دائماً لها معني و مفهوماً واسعاً جداً. انا اوافق علي كلام السيد صابر امامي و لكن عندما يطلق علي شخص اسم الشهيد عندما تتوفر فيه خصائص عرفانية خاصة. كمثال علي ذلك عندما يذكر مولانا الشهيد فانه لا يذكر اسم الحلاج و عين القضاة و يقول فقط: كجائيد اي شهيدان خدائي بلا جويان دشت كربلائي ايها الشهداء الربانيين اينكم يا من تبحثون عن البلاء بكربلاء اينكم يعني ذلك رغم ان هؤلاء العرفانيين و كثرة آخرين كانوا شهداء لكنه يتم تصوير المفهوم الواقعي للشهادة في وادي كربلاء. امامي: اسمحوا لي بان اشير الي نقطة صغير و هي استمراراً لحديث السيد نادمي حول شهادة سيد الشهداء (ع). لقد كان الاستشهاد الظاهر لسيد الشهداء (ع) قياساً بعرفانه و معرفته لمراتب الكون و التوحيد و الفناء يبدو صغيراً جداً. ففي حالات و سلوك سيد الشهداء في ميدان الحرب و في اوج الحرب توجد علائم تشير الي معرفته و عرفانه. انه يعتبر الحرب و ميدان الحرب شيئاً بسيطاً و يشبه ذلك بالعقد المعلـّق علي رقبة الفتيات او مثلاً يشبه ذلك بالجسر الذي نعبر عليه و ينتهي. فعليه تبدو هذه الاشياء اصغر بكثير مما بلغه قبل ذلك في حياته. جهان آبادي: إن معني الشهيد في النص الديني يختلف عما هو موجود في النص غير الديني. التعريف الذي يستخدمه «الاومانيون» اليوم عن الشهيد بكثرة هو يشمل كل موت للافراد بسبب معتقدهم. لكن التعريف الديني للشهيد لا يشمل موت الافراد بسبب اي معتقد بل الشهيد هو من بموت بسبب العقائد التي اكد عليها الكتاب المقدس و بلغة ابسط الشهيد هو من يقتل بسبب نهوضه في سبيل الله. هذا من جانب و من جانب آخر. اعتبر الرسول الكريم (ص) سيدنا حمزة عليه السلام شهيداً و قد اطلق عليه بعد معركة احد اسم الشهيد. و قد دعانا الله من جانب الي اتباع الرسول و قبول اقواله. فعليه اذا كان الفرد يقتل في ميدان الحرب يسبب الدفاع عن الدين الاسلامي يكون شهيداً. و جاء في فقه اللغة ان لكل كلمة معنا لغوياً و معناً اصطلاحياً و قد غير المعني اللغوي و الظاهر لبعض الكلمات لصالح المعني الاصطلاحي، لكن المعني الاصطلاحي يحظي بالارجحية علي المعني الظاهر اللغوي لاهل الدين. السيد امامي: يري العرفاء في كتاباتهم و كلامهم حول المقتل- حسب قولهم- المقتل سيف العشق. يعني ذلك انا باعتباري كانسان لديّ بعض الغرائز فتارة لا تتجانس هذه الاهواء مع اصل الدين و انا ابذل جهودي لا تغلب علي رغباتي لقتل هذه الاهواء. انهم اي العرفاء يعتبرون هذا الشيئ شهادة. بهذا التعريف يمكن اعتبار هذا الشيئ كمصطلح في دائرة المصطلح الكبير للشهادة باعتبار أن «الاسلام هو التسليم» و يعني ذلك اننا في كل خطوة نخطوها نحو هذا التعليم و نقضي علي واحدة من الرغبات المتضادة و تحصل بذلك شهادة. فعليه يستطيع الفرد في العرفان ان تكون له حياة جسمية و يجرب شهادات كثيرة حتي زمن عدم بقاء اية واحدة منها و كما يقول تبلغ «الفناء». س. الفصلِية: حسناً لو تسمحون ان نتحدث شيئ عن الشعر العرفاني و التعريفات و خصائص و الفرق بينهما و بين باقي الاشعار و مبدئياً أي شعر نعتبره عرفانياً و اي شاعر نعتبره عارفاً؟ امامي: الواقع أن العرفان هو من المواضيع التي لا يوجد فيها حداً و لا حدوداً محددة؛؛ و لكن عندما نقول «العرفان الاسلامي» و نضيف الصفة «الاسلامية» علي العرفان فاننا نقترب اكثر الي حدود التعريف. و في الواقع ان المعرفة التي يحصل عليها الانسان عن الكون بما انها تكون ذات صبغة و وصفاً اسلامياً فيمكن تعريفه بشكل اسهل و في غير هذه الحالة العرفان يعني كل معرفة يحصل عليها الفرد عن الكون و العالم و الانسان و علاقاته مع العالم تعتبر معرفة. و لكن في تعريف العرفان الاسلامي يجب القول ان المعرفة بشرط أن يكون مصدرها من القرآن و السنة اللنبوية (ص) الشريفة و الائمة المعصومين (ع) و الآن بهذا المعني نستطيع النظر الي العرفان الاسلامي بشكلين. فهل كان العرفان غير موجود في شعر الشاعر رودكي؟ صحيح يكثر في شعر رودكي و في الشعر الخراساني بشكل عام الغزل- بمعناه الأرضي- و لكن في الوقت نفسه توجد في اشعار رودكي لحظات خاصة انا اعتبرها لحظات عرفانية و هي اللحظات الصافية الزلال الخاصة التي تدخل قلب الفرد. في شعر الشاعر دقيقي او منوتشهري نواجه كذلك مثل هذه اللحظات و لكن لا يمكن اعتبارها اشعاراً عرفانية. بل كما قلت يمكن العثور في بعض الابيات الشعرية الصبغة و الرائحة و المعالم العرفانية بالمعني المحض. س. الفصلية: اي شاعر توجه رسمياً لاول مرة نحو الشعر العرفاني و ما هو المصير الذي آل اليه الشعر العرفاني طوال التاريخ و ما هي المفاهيم التي كان يحملها هذا الشعر؟ ج. السيد امامي: طبقاً لما جاء في التاريخ كان الشاعر سنائي اول من ادخل العرفان رسمياً في الشعر الفارسي و يتبلور هذا المفهوم في الشعر الفارسي مع سنائي وحديقته و بالاشعار الغزلية الحماسية جداً. و ما من شك كان فريد الدين العطار النيشابوري يواصل مباشرة نفس الطريق الذي سلكه سنائي و يبلور التخطيط الذي ارتسمه سنائي و يبلغ قمته في شعر مولانا جلال الدين. السؤال الذي يطرح في هذا الجانب هو هل أن العرفان الذي يبلغ كماله في شعر مولانا تقل صبغته في الشعراء التالين؟ نحن نعلم بأن مولانا كان قد انشد غزلياته لشمس التبريزي و كلنا نعلم بان هذه الغزليات تكون غرامية. و لكن دون استثناء المعاني التي نخرجها منها تكون ذات معاني عرفانية و الحال هل تكون غزليات حافظ علي هذا النمط؟ اننا نجد ان هذا التيار يتجه الي جهة اخري. فهناك من يقول بان غزليات حافظ تكون عرفانية و الآخر يقول انها غزلية. لقد بلغ العرفان بمولانا شكله الكامل و الآخرون من الشعراء الذين تلوه اخذوا يحومون حول هذه المنظومة. فمثلاً تكون اشعار نظامي غنائية لكن اشعاره هذه لها جوانب عرفانية. انا عندما انظر الي الشاهنامة بنظرة اخري أجد فيها معالم عجيبة من العرفان. بالرغم من ان الشاهنامة تكون نصاً حماسياً و ملحمياً و الملحمة تظهر في الخارج علي عكس العرفان الذي يكون في الداخل- لكني اجد في الشاهنامة انعكاسات عجيبة من القوة الداخلية النفسية و الاحظ هذه المفاهيم هنا. قاسمي: كانت اشارة الدكتور امامي الي موضوع الشعر العرفاني لمولانا جميلة جداً. فالعرفان كان موجوداً الي جانب الاديان السماوية و شهد تنامياً. لكن العرفان الاسلامي يختلف عنها لان اساسه يعتمد علي الثقافة الاسلامية و الرؤية الاسلامية. و اساسياً ان وجه تميّز العرفان الاسلامي هو هذا الشيئ. و كانت اشارة الدكتور امامي هي أن الغزل العرفاني يبدأ من الشاعر سنائي و يوصله الشاعر مولانا الي الكمال. و يعني ذلك تلاحظ مجرة من العرفان الاسلامي في شعر مولانا. فالاشعار الغزلية لمولانا جلال الدين ابن الرومي تكون في قمه العرفان. و يستفيد مولانا في غزلياته من اسم شمس التبريزي باعتباره تبركاً و ليس «تخلصاً» لان التخلص هو الاسم المستعار للشاعر- اضافة الي ذلك ان الشعر يتم انشاده برديف شمس و ينبغي القول بان شعر مولانا نحو شمس لا يمكن مقارنته بالشعر الارضي. بل هو في عالم آخر. شمس يشكّل نافذة تفتح و يري مولانا جلال الدين عبرها العالم و هذا العالم الجديد له يعثر علي معناه. هذا هو عشق مولانا لشمس و ينبغي النظر اليه من نافذة و زاوية رؤية مولانا و حيث بلغ حداً يقول فيه «شمس من و خداي من» «شمسي انا و ربي انا» و هذا ما يعكس قيمة شمس المعنوية لمولانا. السيد شفاهي: انا اعتقد انه لا ينبغي التوجه في العرفان الي شعراء كفردوسي و رودكي و كسائي و امثالهم و السبب في ذلك هو وجود اشارات في داخلهم الي العرفان الا اذا كنا نقسّم العرفان الي عرفان ارضي و سمائي و ذي توجه صوفي و غيره. و في هذه الحالة سنواجه مشاكل اخري. و الواقع هو وجود مرحلة من اليقضة في حياة كافة البشر و خاصة الشعراء ممن كانت لهم مشاعر اكثر احساسية. و تطرأ عليهم بين الفنية و الاخري بعض المشاعر و يدخلون هذه المشاعر في اشعارهم و انا اعتقد بانه لا ينبغي تسمية ذلك عرفاناً بل انها تجارب شخصية تكون عابرة عادة. فالعرفان الواقعي هو الشيئ الذي كما يقول الاصدقاء جربه مولانا جلال الدين و يعني المفدي لكل شيئ او الشخص الذي يكون علي استعداد لتحمل كل صعوبة من اجل لقاء الصديق و التضحية في سبيله. جهان آبادي:القضية المهمة التي ينبغي الاشارة اليها في هذا الجانب هي من الممكن أن يبلغ الكثير من العارفين اعلي مراتب السير و السلوك و في زاوية الخانقاه (الزاوية) و لكن ما الفائدة من ذلك لأن هذا الشيئ هو أمر شخصي تماماً. و كما يقول ابوسعيد ابوالخير، ان العارف هو من يكون بين الناس. فمثل هذا الشخص يستطيع ان يكون قيّماً و يكون مصدراً للتنوير الفكري في مجتمعه. فهؤلاء العرفاء الذين كانوا من مسار الحياة الاجتماعية و يتولون دور و مسؤولية التنوير الفكري لافكار مجتمعهم لانهم كانوا مشتبكين مع القوة المعارضة و غير المتعايشة فانهم بلغوا كذلك مرحلة الشهادة الجسمية. فهذه الشهدة للعارف كانت اكثر وعياً و ثقافة لتنوير اذهان الناس و افكارهم من اجل حياة افضل و التقييم العالم للامور. كما نشاهد هذا الموضوع بشأن قضية كربلاء. فالامام الحسين (ع) يتحرك للشهادة من اجل تنوير المجتمع لانه يري ضرورة فداء النفس في سبيل الهدف في الكثير من المواقع. و يلاحظ هذا الشيئ في حياة كبار عارفينا اذ أن الكثير منهم قد استشهدوا لهذا السبب. و في الواقع يكون هذا النوع الاعلي من العرفان و الذي ينتهي بالاستشهاد الباطني و الجسمي. السيد امامي: بما أن الشعراء و المفكرين يُعرضون بين فترة و فترة عن حياتهم الاعتيادية، تتوفر لديهم امكانية تجربة هذه المفاهيم القدسية و في هذه النقطة تبدأ الشرارة الاولي لازدهار العرفان. و لهذا السبب بالضبط نجد في اشعار رودكي بوارقاً من هذا العرفان. و لكن علي اية حال يبقي حتي آخر عمره في البلاط و لا يستطيع الاقلاع عن الحياة و رخائها. و لكن من جانب آخر هناك شاعران كبيران آخران و هما ناصرخسرو و سنائي نجد انهما يعرضان عن البلاط و الحباة البلاطية و يرفضون ذلك. فهذين الاثنين رغم انتمائهما للبلاط و جربا الحياة البلاطية لكنهما عندما يبتعدان عن البلاط و ينفصلان عنه لا يقرران العودة اليه بل يقتربان الي العالم الداخلي الخاص. و يصدق هذا الشيئ ايضاً بشأن عارفينا و مفكرينا. فالحلاج و السهروردي و الغزالي و بايزيد و غيرهم ممن انفصلوا عن الحياة اليومية المعتادة الرائجة في زمانهم و في هذا الانفصال و التجنب يتبلور العرفان و يتواصل حتي يبلغ مرحلة الشهادة. إن فهم هذا الشيئ يكون بسيطاً لأن سنائي لماذا يصبح اول شاعر لشعرنا العرفاني؟ ان ذلك يعود الي المحراب. انه بهذه الخطوة يقدم بحركة صوفية و بعدها تتحول اشعاره الي اشعار خفية و رمزية. يعني ذلك ان الشاعر لم يعد يتحدث بشكل مكشوف. و اذا ما استخدم لفظاً توجد خلفه معاني خفية. و السبب في ذلك يعود الي القضايا الاجتماعية. و قد ترك اجتياح المغول لايران التأثير البالغ في هذا المجال و اننا نجد بان شاعرنا الثاني في الشعر العرفاني يعيش في حقبه اجتياح المغول لايران و يبدأ بكتابة كتاب تذكرة الاولياء. فانا اعتقد ان تذكرة الاولياء فيها اشعار اكثر عرفانية و اننا نستطيع ان نترجم هذا الكنز العرفاني الي لغتنا الحديثة و حتي عبارات بايزيد البسطامي كعبارة «به صحرا شدم عشق باريدة بود» «دخلت الصحراء كان الشعق ماطراً» فانه يكون عملياً قد دخل شعر اليوم. و بعد ذلك كما اشار الاصدقاء ان الشعر العرفاني يبلغ ذروته و كماله بشعر مولانا جلال الدين. نادمي: ينبغي اخذ هذه النقطة بنظر الاعتبار و هي إن الشاعر ينبغي ان يكون عارفاً في المرحلة الاولي ليتمكن من انشاد الشعر العرفاني. إن معظم الاشعار العرفانية التي وصلتنا بعد الشاعرين سعدي و حافظة في الواقع انها تكون شبه عرفانية. كمثال علي ذلك هناك اشعار عرفانية لفروغي بسطامي لكن جميعها جاءت في مديح ناصر الدين شاه. فالشاعر الواعي لا يمدح قط شخصاً. لانه ليس مداحاً و لامرئياً. فاذا كان عارفاً حقاً فانه سيقدم علي الفضح كما نواجه ذلك في غزليات حافظ. حافظ دون ان يخشي و دون رياء و كما يعترف بالكثير من ابياته الشعرية بهذا الموضوع و يوجه نقده الي المجتمع و يمكن اعتباره في زمرة الشعراء العارفين لانه لم يكن من اهل المهادنة و يشير بذلك في احد ابياته الشعرية فيقول: «چرخ بر هم زنم ار غير مرادم گردد» بمعني: سابعثر القلك اذا جرت الامور عكس مرادي و اشعار اخري من هذا القبيل التي تعكس احتجاجه علي الوضع السيئ و وعيه. الفصلية: لنوجه البحث نحو تعريف الشعر العرفاني في عالم اليوم فما هو تعريفه؟ و يعني لو اردنا ان يكون لنا شعر عرفاني هل ينبغي ان نستفيد من تلك العلائم و عقود الشعر العرفاني القديم؟ نادمي: بالتأكيد بتغيير الزمن تتغير العلائم و العقود كذلك. و بشكل عام العرفان الموجود في يومنا يحمل معالم اليوم و ينطوي علي خصائص انسان اليوم. لأن نوع معرفة الفرد بات مختلفاً. السيد شفاهي: العرفان يعني المعرفة. و لكن لا ينبغي اعتبار كل نوع من المعرفة عرفاناً. بل إن هذه المعرفة تعني المعرفة للشيئ. و إن لفظ العرفان يطلق فقط علي نوع من التجربة القدسية و يؤدي امر القدس عملياً الي الدين. و بتعبير آخر العرفان هو نوع من المواجهة المحددة مع رموز العالم لكشف رموزه قد لا تلاحظ في النظرة الاولي. من المؤكّد في عالم اليوم و بالنظر الي تغيير الرؤي الانسانية و معرفتها العرفان كذلك الي حد ما شهد تحولاً لكن هذه المراحل من الوعي تبلغ مرحلة التطوع للشهادة و غير قابلة للتغيير لان مسيرة هذه المراحل تؤدي الي معرفة الفرد. السيد امامي: في عالم اليوم و بسبب الحرب المفروضة و البطولات الكثيرة لجند الاسلام في جبهات الحرب اننا شهدنا ابداع مشاهد قيمية و مقدسة يمكن اطلاق عنوان العرفان عليها. اذن لدينا في الفترة المعاصرة الكثير من الاشعار العرفانية. لأن شعراءنا و كتـّابنا تناولوا في اعمالهم موضوع الدفاع المقدس مرات عديدة و انعكست هذه التضحية و الشهادة في اعمالهم. السيد نادمي: اعتماداً علي المفاهيم الدينية إن من يقتل في سبيل هدف خاص يكون شهيداً. و لكن تارة لدينا نظرة اوسع نحو الشهادة و نقول ان شهداءنا في الحرب المفروضة كانوا مرتبطين بشهداء كربلاء. و نحن نعتبر الامام الحسين سيد الشهداء و نعتقد بان الشهادة في واقعة كربلاء قد حصلت علي معني جديد. بهذا التعبير عندما نتحدث عن الحرب المفروضة ستكون لكلامنا نسبة ذات معني خاص مع شهداء كربلاء لذلك يمكن اعتبار انشاد الاشعار حول بطولات الجند نوعاً من الشعر العرفاني.
رایکم
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* التعلیق:
جدید‬ الموقع