مقتطفات من كتاب'السائرون في موكب الحسين"من أصدرات الأمام موسى الصدر
صورتان تلازمان الشيعة في الذهن التحليلي العام، وكلتاهما تلتقيان عند اليوم الكربلائي العاشورائي، بعد أداء عرض متباين النظر للتاريخ الشيعي وما فيه من تفاصيل فيها شكول من إمكانية إيجاد تفسيرات متعددة.
صورة متفاعلة مع الشهادة الحسينية على اختلاف أساليب الأجيال ومستوياتها الثقافية ومدى إدراك أبعاد ذلك اليوم ويختلف شكل الإدراك بين ممارسة سطحية فيه، أو تعميق وعي له.
يتمظهر التفاعل بحالات متعددة تؤسس لمفهوم الشهادة وغايات الاستشهاد وأغراضه دون النظر إن كانت الغاية قد تحققت أم كان إجهاض للنهوض، ففي الإسلام أن الفعل يستمر في التفاعل، ويأتي فيه من يتابع الطريق، ولا يفقد الفعل انعكاساته، فالمحاولة بحد ذاتها نجاح.
أما الصورة الأخرى فتتخذ من إحياء الذكرى الحسينية طقوسية حزن موسمية امتدت إلى يوميات الناس، فوسمت الوجه الشيعي بصبغة غائرة القهر تتنفض بين آن وآخر، ثم تهدأ دون بلوغ الغرض; وما التثقيف المؤدي إلى الشهادة سوى دعوة للموت تناقض مقتضيات الوجود الحي الفاعل.
عملية التأمل في اختلاف الآراء بيوم عاشوراء يوجهنا إلى أن في الشهادة، بحد ذاتها، سر، فحركة التاريخ الشيعي، وما تعرض له الشيعة من تشرد وسبي وقتل على الظن والشبهة، وما قاموا به بالأثناء من مقاومة الحكومات الظالمة بوجوه متعددة من طرق المقاومة السرية أو المواجهة إن كانت بعناصر من الشيعة الإثني عشرية أو بالتحالف مع الفرق التي تشكلت من الرحم الشيعي الإمامي مثل النصيرية والإسماعيلية وغيرها... استمرار الوجود الشيعي مع كل هذا يؤكد أن في الشهادة سر.
هذا المجموع من محاضرات الإمام السيد موسى الصدر «سائرون في موكب الحسين»، توخينا أن يكشف لنا سر الشهادة العاشورائية، ولكنه ـ كما يبدو ـ لا يكشفه إلا ليعيش روح الأسرار فيما نقرأ إلماحات وإشارات وتوجيهات بحركة تعبوية إعدادًا للنفس التواقة إلى مكامن الأسرار.
في هذا المجموع من المحاضرات، نعيش «مدرسة عاشوراء» مدرسة شعارها «الإصلاح»، وإذا الشعار هذا يستوعب الدعوة النبوية إلى الله فكرًا ونهجًا وممارسة، وما كان بعدها من محاولات إطفاء نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ينبعث اشعاعات من دم رشفته رمال كربلاء ثم بعثته قناديل اهتداء مشفوعة بروح شهادة تلامس شغاف قلوب من يقول: ربي الله فيستقيم.
الدروس قدمها الإمام السيد موسى الصدر مبسطة الأداء، ومعمقة البعد نحتاج إلى جهد لنعيش الفداء في سبيل الله دون سواه، أو ندرك فهم معنى الإصلاح وكيف يتحول إلى الفعل نصرة وتفعيل حركة لـ «نتعلم كيف يموت الإنسان» مثلًا، وهو واحد من كثير يحتاج منا إلى وقفات.
دروس يقدمها الإمام الصدر نفهم ما يريد بدقة، ولكن المشكل كيف نستطيع أن نتمثل هذا الفهم أو نعيشه؟ وعدا التمثل والعيش، كيف نستطيع تقبل إخراج الرضيع «عبد الله» أو الفتى «القاسم» وتقديمهما جنودًا مقاومين مستشهدين من خلال طلب قطرة ماء؟ أو كيف نتوصل إلى الغرض من القول الحسيني إلى أرحامه: من لحق بي استشهد ومن لا يلحق لم يبلغ الفتح. ما دام الاستشهاد في اللحاق فأين هو الفتح أو النصر؟
هذا وأمثاله كثير مشفوع بالآيات الكريمة أو الأحاديث الشريفة وبالتالي: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} [التوبة، 111]. نفهم... نعم... ولكن نمارس ما فهمنا؟
قد نكون سائرين في موكب الحسين تقليديًا، ولكن الإمام الصدر أخذنا من روح التساؤل، يوجهنا إلى طريق الموكب ويعمل على تربية الأجيال على كيفية السير، وهو بالتالي، وبعد الاطمئنان التام على أن الخطوات ثبتت ووثقت قد يكشف لنا سر الشهادة التي تسير بالملايين من المسلمين إلى سبل الرشاد، أو قد ينكشف السر بديهيًا.
المصدر :مركزالإمام الصدر للأبحاث والدراسات
|