المسيح في كردستان
قضى بروجردي اربعة اعوام بالعمل على قضية كردستان اي في الفترة الممتدة من صيف عام 1358 حتى خرداد عام 1362 اي من صيف عام 1979 حتى 1983. ان هذه الفترة كانت فترة حساسة ومصيرية لبروجرودي ولتاريخ الثورة الاسلامية لانها كانت فترة حبلى بالمخاطر. كان هناك القليل من يعرفون بان ميرزا لعب دورا في تحرير كردستان وطرد معارضي الثورة من المنطقة وكما كانوا يدركون مدى تاثيره في حفظ وحدة الاراضي للبلاد. ان ميرزا قدم خدمات وجهود في السنوات الاربعة ما تعادل ما بذله في طوال حياته انه جاهد وثابر كي يطرد العدو خطوة خطوة ويرغمه على الانسحاب شيئا فشئيا وبذلك ضمن وجود الثورة من مصائب الاعداء. هناك الكثير تم تسجيله من الموضوعات الكثيرة التي تتطرق الى فترة حياة بروجردي فبقراءة الموضوعات يمكننا استيعاب جوانب الحادثة والكشف عن خباياها. نحن نعرف بان مواجهة العدو بصورة مباشرة افضل من الحروب التي تشنها الفصائل والمليشيات. ان العدو كان لا يمتلك اي سدود او حصون لكنه كان يتواجد في كل مكان كان يحمل قواه كلها كي يصل الى اهدافه.
بدا ميرزا عمله في عام 1358 الموافق لـ 1979 ميلاديا في مدينة باختران. ان الخطوة الاولى كانت تتمثل في جمع القوات وتنظيمها. لم تكن القوات المتطوعة التي جاءت من مختلف نقاط البلاد بكافية لتنفيذ مشاريعه فقرر ان يسلح القوات المتواجدة في كردستان والقوات الشعبية هناك. كانت اولى الخطوات تتمثل في فصل صفوف الشعب الكردي المسلم من صفوف المعارض للثورة. انه كان يشاهد يوميا بان الشباب الكرد يراجعون الى مراكز الحرس الثوري مطالبين بمنحهم الاسلحة للوقوف في وجه معارضي الثورة.
ان فكرة تكوين منظمة عسكرية يتواجد في صفوفها الشعب الكردي اصبحت جدية عندما قررت الحكومة الموقتة بايفاد هيأة لحسن النوايا لاجراء المفاوضات مع معارضي الثورة الى لكردستان. ان الهدف كان كالتالي ان القضية تنتهي بواسطة المفاوضات والحوار وان النتيجة هي ان الحكومة امرت الجيش والحرس الثوري بالرجوع الى قواعدها وان لا تتداخل في الشؤون العسكرية في كردستان. ان ميرزا كان يعرف جيدا بان هذه هي خطة معارضي الثورة وانهم يريدون بهذه الخطط والمشاريع واجراء المفاوضات وتنفيذ مشاريع السلام على ارض الواقع بان يخرجوا القوات العسكرية للثورة من المنطقة وان يهيمنوا على البلاد مرة اخرى.
لم يمض طويلا حتى صدقت تنبؤات ميرزا فبعدما رجعت قوات الجيش والحرس الثوري الى قواعدها والمدن والقرى في محافظة كردستان واجزاء من محافظات باختران واذربيجان الغربية تمكنت من احتلالها. في الواقع كل ما بذله الشهيد جمران والقوات الثورية من جهد جبار وسعي وافر في سبيل تحرير المدن الكردية من هيمنة قوى المعارضة للثورة, ذهب سدى ولا بد من العمل من نقطة الصفر حيث بدأت الأمور أول يوم.
هذه القضايا مجتمعة أدت إلى اتخاذ ميرزا القرار بإنشاء جيشا صغيرا بمساعدة الشعب الكردي وأطلق عليه البيشمركه المسلمة الكردية. هذه القوات استطاعت إن تلعب دورا بارزا وساعدت قوات الحرس الثوري فاستطاع ميرزا إن يسيطر على مدينة كامياران التي كانت تعد معقل حزب الكوملة إن تحرير كامياران كانت الخطوة الأولى التي وضعها ميرزا وهي التي مهدت الطريق للخطوات الأخرى الجبارة.
بهذه عرف ميرزا بمنجي كردستان فأصبح مسيح كردستان. إن هذا اللقب لم يكن ناتجا عن الفتوحات العسكرية بل كان نابعا من حبه للناس وحب الناس للفضائل الأخلاقية التي كان يتسم بها ميرزا. بحيث كان في تلك الفترة يعرفه أهالي المنطقة جمعا وكانوا يعشقونه ويعشقون أخلاقه السامي وسلوكه الرفيع. اقترح عليه بان يرجع إلى العاصمة طهران ويتولى زمام الحرس الثوري باعتباره آمر الحرس لكنه رفض هذا الاقتراح جملة وتفصيلا وفضل العمل كضابط في إقليم كردستان. بما إن حبه كان يزداد يوما بعد يوم للشعب الكردي فقرر بان يعمل على عمران المنطقة وازدهارها إلى جنب عملية التحرير وان يمحو الفقر من المنطقة محوا.
بعد استقرار ميرزا بشهور في باختران قرر إن ينقل عائلته في عام 1358 الموافق عام 1979 إلى هناك وفي هذه الأثناء منحه الله ثاني مولود وأطلق عليها سمية.
كان يتجه ميرزا برفقة اثنين من قوات الحرس الثوري الى باختران قادما من مدينة سنندج. كانت الحافلات في عجلة من امرها لانها كانت تريد الوصول قبل حلول الظلام الى مقصدها. كان ميرزا ورفاقه يلبسون الزي المدني كان ميرزا يقود السيارة. كانت السيارة تمشي بهدوء كما كانت سيارة نقل تمشي من خلفهم في نفس اللحظة لكن السيارات التي كانت تاتي من الامام لم تسمح لها بان تتقدم في سيرها. كان سائق السيارة يحاول بان يصعد من وتيرة السرعة لكن محاولاته باءت بالفشل لهذا كان الغضب يملأ وجوده. كان ميرزا يحاول بان يفتح الطريق بقدر الامكان لكن لم يكن هناك مجالا. في النهاية استطاع سائق السيارة ان يتقدم لكن اوقف سيارته بعد هذا ببضعة امتار ونزل من السيارة. استطاع ميرزا بجهد جبار بان يوقف السيارة. كان سائق السيارة رجل ضخم مفتول العضلات وكان ذو شارب طويل باينة على وجهه. ترجل من سيارته جاء وفتح باب سيارة ميرزا سحبه وهو يشتم غاضبا. مسك بميرزا بيد واحدة وصفعه باليد الاخرى. شاهد اصدقاء ميرزا هذا المشهد فهاجموا الرجل. لكن ميرزا وقف في وجههم ومنعهم وقال الى السائق: العفو اريد المعذرة نحن المخطئون. كان الرجل مازال غاضبا بيد انه ترك ميرزا وذهب نحو السيارة وهو يشتم ويتفوه بكلمات بذيئة. ذهب احد الضباط نحو السائق وهجم عليه انه كان يريد ان يقف في وجهه ويقول يا رجل هل تعلم بانك صفعت من؟
لكن ميرزا امسك بيده ومنعه من القيام بهذا العمل وقال: ليست هناك مشكلة هذا سائق سيارة انه رجل اتعبته مشاكل الحياة ان عمل السياقة ينهك الانسان ويتعبه. انه تفوه بكلمات وقام بعمل ما. ان الله لا يرضى ان نزعجه.
ركب الثلاثة معا في السيارة. ان الضباط كانوا منزعجين من عمل السائق لانه صفع ميرزا بدون سبب فكانوا ينظرون الى ابتعاد السيارة وهم في حيرة من امرهم.
في تلك الليلة كان ميرزا جالسا في مكتبه في قاعدة الحرس الثوري في مدينة باختران. فسمع ضجيجا كان قد اثير في الخارج. قال للضابط اذهب واستطلع الامر. واعرف ماذا يحدث في الخارج ما هو مصدر الاصوات. خرج الضابط من المكتب فرجع بعدها بلحظات وقال هناك سائق سيارة يحمل شحنة قادما من مدينة سنندج انه يريد ان نكمل اجراءات عمله انه مستعجل انه يقول اكملوا الاجراءات بسرعة كي ارجع.
قال ميرزا: احضروه الى هنا.
عندما احضروا السائق الى غرفة ميرزا كان السائق غاضبا ويتكلم زعلانا. كان ميرزا لابسا الزي العسكري وبالتحديد زي الحرس الثوري وجالسا خلف الكرسي. انه كان يقرأ رسالة ما. عندما رفع راسه وشاهد السائق ابتسم وقال ماذا حدث؟ ما الجديد؟ لماذا تثير الضجيج مرة اخرى؟
كان السائق متحيرا ووقف عند عتبة الباب كأنه اصبح اخرسا لا يستطيع ان يتفوه ببنت شفاة. لم يكن يصدق بان قائد الحرس الثوري هو ذلك الشاب الذي صفعه قبل ساعات قليلة. اعتذر السائق فاجاب ميرزا انس الامر وقل من ماذا تعاني؟
قال الرجل: احمل في سيارتي شيئا ما للجيش المتواجد في باختران. اريد ان اسلمه باسرع وقت ممكن وارجع لكنهم أجلوا تفريغ الحمل الى يوم الغد يقولون في الصباح الباكر نقوم بالمهمة.
اتصل ميرزا بمسئول الخزانة وقال انزلوا ما في السيارة في اسرع وقت ممكن.
ثم التفت نحو السائق قائلا: اذهب الله يوفقك.
اطرق السائق راسه والدمع يملا عيونه.
لم يكن ليعرف ماذا يفعل. في النهاية اقبل ميرزا نحو وحضنه.
كان اسم ميرزا قد امتزج مع كردستان. فاذا حدثت مشكلة ما في الاقليم كانوا يبحثون عنه. انهم كانوا يعرفون بان ميرزا اشفق الناس بالنسبة للاقليم. كان الناس يطرحون كافة مشاكلهم مع ميرزا حتى القضايا العائلية والمشاكل الخاصة في حياتهم انه لم يكن مجرد قائد الجيش بل كان يهتم بكافة القضايا التي تدور رحاها في انحاء الاقليم. كان قد بنى المدارس والمستوصفات بمساعدة جهاد البناء في القرى. كان يتداخل في القضايا الصحية وحتى يتداخل في قضايا تهيئة الماكولات على مستوى الناس عامة كتهيئة الرز والسكر المكعب واللحم والدهون... . كان يقضي اوقاتا في الاجتماعات التي كانت تقام في مديرية المحافظة وبحضور المحافظ ومدراء المحافظة على كافة المستويات. كان الجميع يستفيدون من آراءه ومقترحاته. وفي نفس الوقت كان قد خلق قوة عسكرية رصينة وذلك عبر التنسيق بين قوات الحرس الثوري والجيش والقوات الشعبية وبذلك استطاع ان يخلص الاقليم من شر المعارضين للنظام. اقترح عليه بان يرجع الى طهران ويتولى زمام امور الحرس الثوري باعتباره وزير الحرس الثوري لكنه اجاب بانني تلميذ لخياط ما, فما لي وتوزر وزارة ما. انا جئت الى كردستان كي اقدم خدمة الى اهالي الاقليم المستضعفين.
ابرز تواضعا في خدمة الناس بحيث لو كان يظهر في جمع ما لم يتضح بانه قائد للجيش. كان في ليلة ارغم بان يبقى خارج المعسكرات اي في الطريق. كان الوقت اقتربب من المنتصف لليل فاخلد رفاقه للنوم فجاة سمع صوتا ما. قال قائد الجيش لماذا لم يقم الحراس بواجبهم في هذا المكان اين الجنود؟
واستمر بالقول: أ لم يكن جنديا ما بان يتولى مهمة حراسة هذا المكان؟
قام ميرزا بهدوء مسك بندقيته وخرج من الغرفة وقال اي مكان تقصد انا ساقوم بالحراسة؟
كان الجو مظلما ولم يكن القائد يستطيع بان يعرف ملامح وجهه. اشار باصابعه الى المكان المقصود وقال هناك جزاك الله خيرا ايها الجندي. ابق لمدة ساعات وانا سارسل بعدها شخصا ما.
ذهب ميرزا دون ان يعرفه احد ما واعتلى المكان ووقف في الحاجز وراء الاكياس الرملية. كان الوقت يقترب من الفجر جاء القائد عنده وقال هل مازلت هنا ولم يات احدا ليحل مكانك ايها الجندي؟
قال ميرزا: لا باس نصلي صلاة الفجر هنا. دع الشباب ينامون.
تعجب القائد. لم يكن يعرف جنديا يضحي الى هذه الدرجة مع هذا امتلا وجوده من الفرح فعاد. عند بزوغ الشمس وبداية يوم جديد قرر القائد بان يغير حارس ذلك المكان لكن عندما ذهب الى هناك وشاهد ميرزا بام اعينه تعجب من هذا المنظر.
خرج ميرزا من الحاجز وقال انني لا بد ان ارجع الى المدينة لو كنت استطيع ان ابقى هنا لبقيت لساعات هنا.
كانت هذه جزءا من اخلاق وسلوك ميرزا. عندما كان يفتشه الجنود في المدخل في المعسكرات والقواعد لم يكن يعرف نفسه كقائد المنطقة. كان يود بان يعرفه الجميع كـ جندي وخادم صغير وبسيط. بعد استشهاده وعندما تم نشر صوره عرف بعض الجنود بان من كان يمارس لعبة كرة اليد معهم ويشاركهم افراحهم الجماعية ويمزح معهم لم يكن كجندي بسيط بل كان قائدا عظيما, كان قائدا يدير كردستان وفي نفس الوقت كان يواجه العدو البعثي في العدو الغربية.
بقى ميرزا الى عام 1360 الموافق 1981 للميلاد في باختران لكن بعد تحرير المدن الكردية وعلى اثر الحرب مع المعارضين للنظام اتجه نحو مناطق سردشت وبيران شهر. ان اوضاع المدينة لم تكن بمطمئنة في تلك المنطقة. لكنه زوجته كانت تصر على ان ينتقل من باختران الى اروميه مما جعله لا يرغب في البقاء في مدينة باختران اكثر فاكثر هو استشهاد آية الله اشرفي الاصفهاني.
ملامح ميرزا المظلومة
لم يتعبه الجري عل الاقدام لكنه فضل بان يذهب في بيت ما بحيث يحس بالأمان هناك. كان الجو الحار في الغرفة وفي برودة الشتاء القارس تمنح الانسان الهدوء وتعجب الجميع. فاقترب من النار وبدا يسخن نفسه غير مبالي بما يجري حوله. جاءت فاطمة بالشاي له فتربعت ووضعت الصينية امام ميرزا. كان ميرزا ينظر الى فاطمة بعيون المحبة.
قالت فاطمة:
كانت خالتك اليوم هناك. كانت قلقة حيالك.
فكر ميرزا بانه كيف يمكن ان يدخل البنت صاحبة 11 ربيعا وهي معصومة في عالم لم يعرف كيف يرتب اوراقه هو بنفسه؟ فكانت والدته قلقة الى درجة بحيث استعانت بخالته وزوج خالتها! ففضل ان يترك المكان.
لم يكن مستعد لسماع نصائح زوج خالته. فضلا عن هذا كان صاحب البيت يريد منه نقودا كثير للايجار فهذا يجعله بان لا يهتم بالامر كثيرا. في هذه اللحظة عرف معنى صمت خالته. قال في نفسه:
القرار الاخير يرجع الى السيد علي.
كان السيد علي يحترم ميرزا احتراما كثيرا. انه لم يكن يفكر كما تفكر الام. صحيح ان ميرزا كان يريد ان يثبت الى والدته بانه لم ينساها حتى للحظة فكان يريد ان يقنع الام بان لا تكون قلقة تجاهه, لكنه كان يعرف جيدا كيف يهتم بنفسه.
لم يزعل ميرزا عندما عرف بان والدته روت قصته الى السيد علي. ان السيد علي لم يكن بذلك الرجل الذي يوشي ويعظم الامور. انه وان لم يكن باستطاعته ان يخمد النيران, فيحاول منع انتشارها قدر الامكان. لم يكن يقصد ميرزا عند المجئ بان يذهب الى خالته التي تدعى سلطنة لكن الطريق الذي سلكه ادى به الى التحدث الى زوج خالته فكان لا مفر من هذا. نظر الى فاطمة منذ ثمانية اعوام وهو يتابع هذه الصورة في مخيلته كان وجه فاطمة وشقيقتها اعظم امل ميرزا الاكبر هذا سر لم يكن يعرفه احد ما حتى فاطمة واعظم.
انتبه لنفسه بعد سماع صوت سلطنة اي خالته.
لماذا زعلان يا ميرزا. من اين اتيت؟
ارادت خالته ان تفتح ملفا ما للحوار لكن ميرزا انتبه للامر وطرح سؤالا كي يغير مسار الكلام.
- سمعت بان السيد علي مشغول جدا. لماذا لا تاتين عندنا يا خالتي.
جلست خالته عنده. فضلت عدم التفوه باي كلمة. كانت تعرف بان الكلام لا يجدي شيئا. ربما كان الزعل الباين على ملامح الوجه يستطيع ان ينقل الكلام بشكل افضل الى ميرزا. كانت تعرف بان ميرزا رجل ذكي وحساس ويقوم بردة فعل سريعة.
قام ميرزا ومشى في الغرفة. كان يستطيع ان يهدا بشكل افضل بهذه الطريقة. كان ميرزا يمتلك عقلا يتقدم سنه بسنوات كثيرة في استيعاب الامور. قبل ان تخرج الخالة من الغرفة اشارت الى فاطمة كي تخرج من الغرفة. وقف ميرزا امام مرآة صغيرة كان الجو قد غير من لون اطارها. كانت هناك عدة نقاط واضحة في المرآة انه يعرف هذه المرآة منذ ثمانية سنوات.
ابتسم طفلا في الثامنة من عمره وقدم التحية. كان وجه كالوردة منفتح من كثرة وقوفه امام الشمس. كان ذا شعر طويل وملتوية في بعضها البعض. وصلوا للتو الى هناك. كان كل منهم يحمل مشاكلا من مشاكل الحياة على اكتافهم. انتهت عملية نقل الاثاث والوسائل القليلة بسرعة فجلس الجميع كي ياخذوا قسطا من الراحة لكن الطفل قام يلعب في باحة البيت. كانت هناك كورة مطاطية في الباحة لفتت انتباهها اليه. اخذها كانت تلك المرة الاولى التي كان يشاهد كورة في حياته. لم تكن في دره كرك هذه الوسائل كان هناك الاطفال يلعبون ويسلون انفسهم بامور اخرى. لم يكن احد في باحة البيت. كانت اصحاب البيوت جالسين يتناولون الطعام في بيوتهم وضع الطفل الكورة على الارض ومشى لا يعرف الى اين يتجه انقطع اصوات الاحاديث المرتفعة. اتجهت امراة وهي تصرخ نحو الطفل كانت واضعة التشادر على خصرها. خاف الطفل ووقف في زاوية البيت مندهشا.
اهاي السيدة سلطنه! اين انت؟ هل هنا محل لاستراحة القوافل ذهب زوجك ونادى اهالي القرية وجمعهم في بيتنا الصغير. على الاقل اهتمي بالامور كي يرتاح الناس. هل في الظهيرة يلعب الناس.
قالت هذه الكلمات فاغلقت الباب الامرأة كان الطفل مازال واقفا في زواية من البيت ولا يعرف مامعنى هذه الممارسات. كان يصول ويجوب لمدة ثمانية اعوام في القرية من الصباح حتى المساء في الصحاري ولم يكن احدا ما يتكلم معه بهذه اللهجة. لم تكن والدته ترجع الى البيت الا عند المساء انها كانت تذهب الى بيوت الناس لتخبز لهم في الصباح الباكر. عندما يحين موعد الغروب ترجع الى البيت وهي تحمل الخبز. ثم تبدا بالاهتمام بالاطفال لكنه النوم يغلب عليها من شدة التعب ولم يمنحها المجال.
مسك ميرزا المرآة فاصبحت المرآة اكثر شفافة فرأى مرة اخرى الطفل وعائلته وهم يخرجون الاثاث والوسائل المنزلية خارج البيت تكرر هذا المنظر في المرآة لعدة مرات وفي النهاية شاهد السيد علي وهو ينظر اليه بابتسامة. ان الابتسامة تلك التي ابداها السيد علي جعلت الطفل هادئ جاء الى طهران كي ينسى المصائب والمصاعب لكنه قد تاه في حلقة مفرغة مكونة من عدم المعرفة بالقيام بالامور بالشكل الصحيح فتاه في الذهاب الى مختلف البيوت واصبح ينتقل من هذا البيت الى ذلك. كانت اصابعه تدور القلم ليكتب لكن قلبه كان يحوم في اماكن اخرى كان يرفع راسه من على الدفتر وينظر الى ابويه وخواته هذه الحالة تحدث عندما كان لا يعرف الكتابة بشكل جيد فكان المدرس يزعل منه بشدة كان المدرس يتعجب لانه كان لا يعرف النظم والانضباط لكنه يحصل على درجات ممتازة في الامتحان اليكم درجاته: الاملاء 19 الرياضيات 17 الانشاء 18 التاريخ 19 الجغرافي 18 فاحتار مساعد المدرسة كيف يعامل هذا التلميذ. كان المظلومية التي ترتسم على وجه تترك بصماتها على المساعدبحيث ينسى شغبه والتاخير في الوصول الى المدرسة فكان يمنحه درجة متازة في الانضباط لكن التاخير في الحضور الى المدرسة سببت ازعاجه بشدة من هذه الحالة فطلب بامه وقال وهو غضبان:
جاء اليوم في الساعة العاشرة إلى المدرسة فعل هذا في الأمس في اليوم قبل الأمس لم يحضر في المدرسة قط. ثم إذا يحضر في الصف يخلد إلى النوم.
لم يحق للطفل بالتكلم كما لم يحق له بان يعمل حتى منتصف الليل بعد ما ينتهي الصف في المدرسة. إلام لم تريد إن تذهب بماء وجه العائلة وتقول بأنه مرغم بالعمل عشرة ساعات في اليوم كي يحصل على عشرة ريالات (العملة الإيرانية). لهذا فضل الطفل بان يستلم ملفه لأنه طرد من المدرسة ولا يرجع إلا وهو يوضح السبب الذي يجعله يتأخر.انه ترك المدرسة تلك المدرسة التي تدعي بان الأب هو من يقوم بإعداد الخبز لكنه كان يرى بأم أعينه بان إلام هي التي كانت تقوم بوظيفة إعداد الخبز.
انهالت الدموع من عيون ميرزا. أشفق على الطفل. إن المرآة شوشت عندما مسح دموعه وضع إمامه مرآة لولد ابن الـ 16 من العمر كان شاب يافعا له شعر جميل ويلبس زيا ابيضا. عليه إن يقبل بأنه أصبح رجلا. فجأة شاهد السيد علي في المرآة عاد واحتضنه وبكي كالرجال ثم شاهد أمه حيث وقفت إلى جنب خالته. عندما دخلت فاطمة أنهى بكائه وقال لامه:
هل نذهب؟
قالت الام:
لنذهب.
الققنوس في النار
قال ايزدي في نفسه: لماذا اصبح محمد يتصرف هكذا منذ ايام وهو يتكلم كانه يكتب وصية.
ودّع الجميع. طلب من الجميع بان يصفحوا عن ذنبوه كان ايزدي ينظر الى صورة محمد الهادئة. نظر محمد مرة اخرى الى السيد ايزدي. تحدث اليه وفي صوته علائم الالتماس. فقال: ملخص القول منذ اليوم فصاعدا فان مسؤولية الامور اصبحت على عاتقكم. لا تنسوا هؤلاء الناس.
- سمعا وطاعة. لماذا تؤكد على الناس الى هذه الدرجة.
اتخذ ايزدي الصمت لبرهة من الزمن ثم سال وكان كل شي رجع الى ذاكرته: هل تذهب الى السفر ام تغادر الى مكان ما, حيث تريد ان يسامحك الجميع.
اجاب ان الانسان دائما يعيش حالة سفر لا يعرف ماذا يحل به بعد لحظات. فعليه ان يكون مستعد في كل لحظة وان يجعل الناس يرضون عنه في كل آن.
-صح هل وصلت الى نتيجة فيما يتعلق بمكان استقرار الجيش؟
-نعم هناك مكان ما في مفترق طرق مدينة نقدة فان الطريق الفرعي هناك يعد مكانا مناسبا. ان مساحته واسعة كما يقع عند الطريق الرئيسي. هناك مبنى قد يكون من ممتلكات وزارة الزراعة انه مبني حكومي مدمر نسبيا.اذهب كي اشاهده عن كثب.
خرج الجميع على اثر بروجردي كانت سيارة محمد معطلة. لهذا استخدموا سيارة كاوه. كان كاوه يصر بان يرافق محمد لكن جوبه بمعارضة بروجردي. عندما ركبوا اسرع واقفل الباب من الداخل. اعترض كاوه وهو خلف الباب وحاول ان يفتح الباب عنوة لكن بروجردي فتح الزجاجة وقال وصوته مملوء بالمحبة يا اخي لا بد ان تبقى هنا عند الشباب.
جاء ضابط شابا وهو يركض كان لديه عملا هاما مع محمد. كان من المقرر بان يتكلم في السيارة فتح بروجردي الباب كي يركب الضابط الشاب. عندما شاهد كاوه هذا الوضع راح واستخدم سيارة اخرى كي يتابع محمد كان قد وضع على السيارة اسلحة.
جرت سيارتان. كان محمد يستمع الى معاناة الضابط الشاب وكان يدعوه الى الصبر في مواجهة المشاكل.
-يا اخي انك في بداية الطريق طريق الحياة فعليك ان تلتزم بالصبر. ان الله مع الصابرين. هل تعرف بانك اذا صبرت وتم حلحلة المشاكل في زمنها تفعم بلذة لا توصف. توكل على الله القادر فما يصلك الا وفيه الخير والثواب.
عندما وصلوا الى مفترق طرق مدينة نقدة. اشار الى السائق كي يتوقف. توقف السائق الشاب وسحب السيارة الى جنب الطريق. قال بروجردي: عزيزي داوود ارجع من فضلك.
-لا لايمكن انا ارافقكم اينما ذهبتم.
-لا عزيزي داوود. اذهب الى ارومية عند السيد جلالي. وقل له بان يتابع القضية التي تحدثنا عنها في الامس.
اجاب داوود والبكاء يخنقه: ان السيد جلالي اوصاني بان لا اترك في كل الاحول.
-صحيح لكن اقول لك بان ارجع الى ارومية آ لا تطيعني.
احتار داوود بان ماذا يفعل. كان قلقا. كان الخوف يثقل على قلبه. لم ينظر في الطريق الا لـ بروجردي كان يرقبه في كل الامكنة. انه كان يوصي الجميع بان يقرؤا آية الكرسي لكنه نسى ان يقراها في الطريق. تذكر كلام محمد كان في الايام الاولى التي اصبح سائقا اوصى داوود: اقرا آية الكرسي اينما تذهب.
كان داوود قد سال: صحيح لكن ماذا تقول عن الشباب الذين يقراون السورة دائما ويستشهدون؟
قال بروجردي: انهم نسوا في ذلك اليوم ان يقروا الاية.
تنفس داوود طويلا انه كان قد نسى اليوم ان يقراها. تذكر الامر في الطريق لعدة مرات كان نوه محمد بان يقرا آية الكرسي لكن خجل ولم يفعل هذا. وقف للحظات مترددا. ونظر الى محمد. لكن كانت نظرة محمد اكثر نفوذا. اطرق داوود راسه ورجع. لم يكن يريد بان يعرف اليه محمد بانه يستمع الى اقواله.
عندما رجع داوود الى مدينة اورومية تعجب السيد جلالي عندما رأه.
-داوود ماذا تفعل هنا؟ اين محمد. ا لم اقل لك بان لا تتركه وحيدا.
قال داوود بصوت منخفض انه اصر بان ارجع عندكم. قال بانكم تابعوا القضية التي تحدثتم عنه في الامس.
قال داوود هذا الموضوع وسرع نحو الهاتف. ساله جلالي: هل تريد ان تتصل باحد؟
-اني قلق. اريد اتصل بمدينة مهاباد. اريد ان اسال عن احوال محمد.
-لماذا هل حدث اي مكروه؟
-انني كنت اراقبه حتى مفترق طرق نقدة. كان محمد وبخلاف عادته لم يقرا آية الكرسي انه نسى ان يقراها اليوم. انه التهى باقوال ومعاناة الضابط بحيث نسى هذا الامر.
في مفترق طرق نقدة عندما انزل بروجردي داوود من على متن السيارة ذهب وجلس خلف المقود واستمروا في الطريق كان هناك ثلاثة اشخاص جالسين في الخلف. كانت الطريق رملي وكانت فيها المنعرجات الكثيرة لكن كان محمد يمشي بهدوء. كان ينظر الى المنطقة. عندما وصل الى قاعدة شاه آبادي ازدادت المنعرجات في الطريق.خفف من وتيرة السرعة محمد مرة اخرى وصل بعد لحظات الى بركة ماء. عبرت السيارة الاةلى فمشى بروجردي خلف ودخل البركة لكن حدث تفجير كبير ورمى السيارة في الهواء فتاثرت اشلاء السيارة في السماء. كانت قنبلة مضادة للدبابات من ضمن الخمسة المتواجدين في السيارة كان محمد جرح بشدة ان الشباب قفزوا من السيارة وارادوا القيام بعمل ما. لكن
محمد
ان الخبر كان قد انتشر بسرعة البرق والعواصف في كردستان جاء كل من جلالي والعقيد آبشناسان وايزدي والمحافظ وقادة الجيش والحرس الثوري الى مستشفى ارومية كان الكثير قد اهدوا دمائهم حتى اذا احتاج محمد يزودوه بالدم. عند هذا الضجيج وخوف الناس نزلت طائرة عمودية على الارض. اتجه الجميع نحوها. كان الجميع في هذه الساعات من الترقب تذكروا كلام محمد وممارسات التي كانت تبدو غريبة. انه في هذه الايام كان طلب الجميع بان يسامحوه كان اوصى الجميع بان يتعاملوا مع البعض بروح التسامح. انه بقى في كردستان في تذكر ايزدي قبل وجهه وطلبه بان يسامحه ثم اوصى بالتعامل الحسن مع القاعدة والشباب واهالي كردستان. كان ايزدي قد بكى. كان كلام محمد مايزال يتردد في اذنيه.
-يا حاج لا اريد ان تتركوا الاعمال وتسيروا وراء جنازتي.
اخرجوا المصاب من الطائرة العمودية ووضعوه على الارض. كان السيد ايزدي والسيد جلالي واقفين في طرفين مختلفين لكنهما لم يتجرآ بان يزيلوا القماش من على وجه محمد. في هذه اللحظة جاء احد عند جنازة محمد ورفع الستار عن وجهه. نظر السيد جلالي الى وجه بروجردي. كانت الابتسامة مرسومة على وجهه كعادته. كأنه كان يوصي وهو في تلك الحالات: لا تتركوا كردستان.
اتجه محمد وحيدا نحو السماء.