نواح ام الشهيد علي مزار إبنها و التي مازالت تئن بعد مضي ما يزيد عن عقدين من الحرب و كأنها خسرت إبنها الآن و قد اوضت بذلك قلبي النائم.
امّر من جانبها و هي واقفه الي جانب اطار صورة الابن و هي تمسح وجهه بأيد عجزها الزمن. الحقيقة إني لم أجرأ علي رفع رأسي بل انظر اليها نظرة خفية و هي لا تشعر اصلاً بحضوري. انها تبكي بقلب منكسر و تعتصر قلبي الماً. و الحقيقة لم احصل علي اللحظات التي اختلت بها المرأة العجوز مع ابنها سوي اقتراب بعض الخطوات منها و بكت عينايي دون اختيار مني مع نواحها.
ابتعد عنها شيئاً فشيئاً و هي مازالت تنوح «أينك يا ولدي الرشيد، أينك يا أمّاه. و هي منشغلة بمسح التراب و الغبار عن اطار صورة ولدها.
و قد حدثت كل هذه الاحداث في بعض الثواني، لكن هذا هو فن أمهات الشهداء حيث يقمن بمسح الغبار عن صور ابنائهن و عن قلوبنا نحن الغافلين في حيز النسيان.
و لكن ما هو فني؟! فأنا كل ما اتقنه من فن هو ان لا أعكّر عليها صفو تلك الخلوة مع ابنها و اتركها بهدوء لتكون مع إطار صورة ولدها. في حين هي وحدها و لا افكر لحظة بان ابنها اذا كان غير موجود لكني أنا موجود. اخطو في الطريق و أبتعد عن العجوز و قبر شهيدها و مازال صوت أنينها مدويا في أسماعي. اذهب و هي مازالت وحدها.
م/ح