رمز الخبر: 257211
تأريخ النشر: 01 April 2013 - 00:00
هي أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، وهي ابنة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلّي الله عليه وآله.

هذه المرأة الجليلة

وُلِدتْ أمّ كلثوم سنة ( 6 ) من الهجرة النبويّة، وتزوّجها عَونُ بن جعفر بن أبي طالب ـ ابن عمّها ـ الذي استُشهد سنة ( 17 ) من الهجرة يوم تُستَر(1). وقد شَهِدت أمُّ كلثوم بنت الإمام عليّ عليه السّلام مأساة كربلاء، وكانت عايَشَتْها من البداية حتّي النهاية. وتُوفّيت رضوان الله عليها بعد رجوعها من الأسر بأربعة أشهر وعشرة أيام.


جدّتها لأبيها: فاطمة بنت أسد، وجدّتها لأمّها: خديجة بنت خُوَيلد رضوان الله عليهما. وإخوتها أشقّاؤها لأبيها وأمّها: الحسن والحسين وزينب صلوات الله عليهم. • قال الأستاذ محمّد علي المدرّس: أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، كانت فهيمةً كثيراً، وبليغة جليلةَ القَدْر، وخُطبتُها في مجلس عبيدالله بن زياد معلومة(2). • وعرّف بها الشيخ عبدالله المامقانيّ فقال: « أُمّ كلثوم » بنت أمير المؤمنين عليه السّلام، هذه كُنيْةٌ لزينب الصغري. وقد كانت مع أخيها الحسين عليه السّلام بكربلاء، وكانت مع الإمام السجّاد عليه السّلام في الشام، ثمّ إلي المدينة. وهي جليلة القدر، فهيمةٌ بليغة،وخُطبتها في مجلس ابن زياد معروفة، وفي الكتب مسطورة، وإنّي أعتبرها مِن الثِّقات(3). • وكتب عمر رضا كحّالة: أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب، من فواضل نساء عصرها، وُلِدتْ قبل وفاة الرسول صلّي الله عليه وآله(4). مِحَن.. ومواقف بدأت ـ بعد رحيل رسول الله صلّي الله عليه وآله ـ تتشكّل الخطوط والأحزاب والحلقات والاتّجاهات، فتوالت الوقائع صعبةً وغريبة، فكانت نتيجة ذلك أن انقسمت الأمّة وحدثت المعارك، ومنها « معركة الجَمَل »، وإليها أخرج طلحةُ والزبيرُ عائشةَ من بيتها إلي البصرة.. يقول طه حسين: وقد رأي طلحةُ والزبير أثرَ عائشة وأحاديثها في الناس، فرَغِبا إليها في أن تصحبهم إلي البصرة، فقالت: أتأمُرانِني بالقتال ؟ قالا: لا، ولكن تَعِظين الناس وتُحرّضيهم علي الطلب بدم عثمان. فقَبِلت في غير تردّد، وأقنعت حفصةَ بالسير معها، ولكنّ أخاها عبدَالله بن عمر ردّها.. فأقامت(5). وفي طريقها إلي البصرة ـ وقد تَوهَّمتْ عائشةُ أنّ النصر سيكون حليفَها ـ كتَبتْ إلي حفصة لتَسُرّها، فوقع الكتاب موقعه من حفصة، حتّي أخذتْ تجمع الجموع في بيتها مُتغنّيةً بالنصر الموهوم.. هنا بلغ أمَّ كلثوم ذلك، فجاءتها تُقرّعها وتُوبّخها! قال ابن أبي الحديد: لمّا نزل عليٌّ عليه السّلام ذا قار، كتَبتْ عائشة إلي حفصة بنت عمر: أمّا بعد، فإنّي أُخبرُكِ أنّ عليّاً قد نزل ذا قار وأقام بها مرعوباً خائفاً؛ لِما بلَغَه مِن عُدّتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر.. إنْ تقدّم عُقِر، وإن تأخّر نُحِر! فَدَعت حفصةُ جواريَ لها يتَغنّينَ ويَضربن بالدفوف، فأمَرتْهُنّ أن يَقُلْنَ في غنائهنّ: ما الخبر، ما الخبر ؟! عليٌّ في السفر، كالفرسِ الأشقر، إن تقدّم عُقِر، وإن تأخّر نُحِر! وجَعَلت بناتُ الطُّلَقاء يَدخُلن علي حفصة ويجتمعنَ لسماع ذلك الغناء، فبلغ أمَّ كلثوم بنت عليٍّ عليه السّلام ذلك فلبست جلابيبها ودخلت عليهنّ في نسوةٍ متنكّرات، ثمّ أسفَرَتْ عن وجهها.. فلما عَرَفَتْها حفصةُ خَجِلت واستَرجَعت. فقالت أمُّ كلثوم: لئن تَظاهَرتُما عليه منذ اليوم، لقد تَظاهَرتما علي أخيه مِن قبلُ فأنزل الله فيكما ما أنزل!(6) فقالت حفصة: كفي رَحِمَكِ الله! وأمَرَتْ بكتابِ عائشة فمُزِّق، واستغفرتِ الله. قال أبو مِخْنَف: روي هذا جَريرُ بن يزيد عن الحَكَم، ورواه الحسنُ بن دينار عن الحسن البصريّ، وذكر الواقديُّ مِثْل ذلك، وذكر المدائنيّ مِثلَه وقال: فقال سهلُ بن حُنَيف في ذلك هذه الأشعار: عَذَرْنا الرجالَ بحـربِ الرجـال فمـاللنسـاءِ ومـا للسُّبـابْ ؟ !أمَـا حَسْـبُنـا مـا أتَينـا بـهِ لكِ الخيرُ في هَتكِ هذا الحجابْ! ومُخرِجُـها اليـومَ مِـن بيتِـها يُعـرّفُها الحَوْبَ نَبْـحُ الكِـلا بْإلـي أن أتـاهـا كتـابٌ لـها مَشُومٌ.. فياقُبحَ ذاك الكتابْ!(7) • ويُغتال أمير المؤمنين عليه السّلام في محرابه وهو متوجّهٌ بكُلّه إلي الله تبارك وتعالي ، فتُفجَع بناته ومِن بينهنّ أمّ كلثوم.. يقول حبيب بن عمرو: يا أمير المؤمنين، ما جُرحُك هذا بشيء، وما بك بأس! فقال لي: يا حبيب، أنا واللهِ مُفارِقُكمُ الساعة. قال حبيب: فبكيتُ عند ذلك،وبكَتْ أمُّ كلثوم ـ وكانت قاعدةً عنده ( خلف حجاب ) ـ فقال لها أبوها: ما يُبكيكِ يا بُنيّة ؟! قالت: ذكرتَ يا أبه أنّك تُفارقُنا الساعةَ فبكيت. فقال لها: يا بُنيّة لا تبكينّ، فوَاللهِ لو تَرَينَ ما يري أبوكِ ما بكيتِ..(8) • ويمضي الركب الحسينيّ إلي كربلاء.. وأمّ كلثوم فيه لا تفارق أخاها أبا عبدالله سيّدَ شباب أهل الجنّة صلوات الله عليه، فهي تاليةُ أختِها العقيلة زينب سلام الله عليها سِنّاً وفضلاً، وشريكتها في تحمّل أعباء النهضة الحسينيّة قبل واقعة الطف وخلالها وبعدها.. • روي السيّد ابن طاووس وَداعَ الإمام الحسين عليه السّلام لعياله يوم عاشوراء، فذكر: وجَعَلَتْ أمُّ كلثوم تنادي: وا أحمداه، واعليّاه، وا أُمّاه، وا أخاه، وا حُسَيناه، واضَيعتَنا بَعدَك يا أبا عبدالله! فعزّاها الحسين عليه السّلام وقال لها: يا أُختاه، تَعَزَّي بعزاء الله؛ فإنّ سكّان السماوات يَفْنُون، وأهل الأرض كلّهم يموتون، وجميع البريّة يهلكون. ثمّ قال: يا أُختاه يا أمَّ كلثوم، وأنتِ يا زينب، وأنتِ يا فاطمة، وأنتِ يا رباب.. انظُرْنَ إذا أنا قُتِلتُ فلا تَشقُقْنَ علَيّ جيباً، ولا تَخْمِشْنَ علَيّ وجهاً، ولا تَقُلنَ هُجْراً(9). • ورويَ أيضاً أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لدي وداعه للعائلة قال لأمّ كلثوم: أُوصيكِ يا أُخيّة بنفسي خيراً، وإنّي بارزٌ إلي هؤلاء(10). • وحين عزم زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السّلام علي الجهاد يوم عاشوراء وهو في مرضه، أخذ بيده عَصَاً يتوكّأ عليها، وسيفاً يجرّه في الأرض، فخرج من الخيام وخرجت أمُّ كلثوم خلفَه تنادي: يا بُنيّ آرجِعْ.. وهو يقول لها: يا عَمّتاه ذَرِيني أُقاتلْ بين يدَي ابنِ رسول الله. فنادي الإمامُ الحسين عليه السّلام: يا أمَّ كلثوم، خُذِيه لئلاّ تبقي الأرض خاليةً مِن نسلِ آلِ محمّد صلّي الله عليه وآله(11). • ويكتب الخوارزميّ: وبعد مصرع الحسين عليه السّلام، أقبل فَرَسُه إلي الخيام، ووَضَعَت أمُّ كلثوم يدها علي أُمّ رأسها ونادت: وامحمّداه، واجَدّاه، وأبا القاسماه، وا أبتاه، وا عليّاه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا حَسَناه! هذا حسينٌ بالعَراء، صريعُ كربلاء، مَحزوزُ الرأسِ مِن القَفا، مسلوبُ العمامةِ والرِّداء. ثمّ غُشيَ عليها(12). • وبعد أن كانت أُمُّ كلثوم عزيزةَ القوم في عهد أبيها في الكوفة، تَدخُلها أسيرةَ الأدعياء ليس معها حَمِيّ أو وليّ، بل معها رؤوس إخوتها وأبناء إخوتها وأبناء عُمومتها وأنصار أخيها الأوفياء، مرفوعةً علي القنا، وهي وأسرتها وبنات عبدالمطّلب سبايا أسيرات! تدخل أمّ كلثوم.. وقد خرج أهلُ الكوفة للتفرّج، والرؤوس مُشالات علي الرماح، والناس ينظرون إلي السبايا بعد أن خَذَلوا إمامَهم وكانوا قد كتبوا له أن أقدِمْ، فليس علينا إمام! ويشتدّ الوجد بأمّ كلثوم، ويُمضّ بها المُصابُ وهي تشاهد تلك المناظر المؤلمة، وتلتفت فتري أهلَ الكوفة يتصدّقون علي الأطفال الأسري وهم علي المَحامِل، فتَصيح بهم: يا أهلَ الكوفةِ، إنّ الصدقة علينا حرام. أجل، فهمُ أهلُ بيت النبيّ صلّي الله عليه وآله.. ثمّ تنفجر بخطبتها مِن وراء كُلّتها، رافعةً صوتها بالبكاء: يا أهل الكوفة، سَوْأةً لكم! ما لكم خَذَلتُم حُسَيناً وقَتَلتموه، وانتَهَبتم أموالَه وورثتموه، وسَبَيتم نساءه ونكبتموه ؟! فتَبّاً لكم وسُحقاً! ويلكم! أتدرون أيَّ دَواهٍ دهَتْكُم، وأيَّ وزرٍ علي ظهوركم حَمَلتُم، وأيَّ دماءٍ سَفكتموها، وأيّ كريمةٍ أصَبتموها، وأيّ صبيّةٍ سَلَبتموها، وأيّ أموالٍ آنتَهَبتُموها ؟ قَتَلتُم خيرَ رجالاتٍ بعد النبيّ صلّي الله عليه وآله، ونُزِعتِ الرحمةُ مِن قلوبكم. ألا إنّ حزبَ الله همُ الفائزون، وحزبَ الشيطان هم الخاسرون. ثمّ قالت: قَتَلتُم أخي ظُلماً، فوَيلٌ لأُمِّكُم ستُجزَون ناراً حَـرُّها يَتَوقّدُسَفَكتُم دماءً حَـرّمَ اللهُ سَفْكَها وحَرّمَـها القـرآنُ ثمّ محمّدُألا فآبشِروا بالنارِ، إنّكمُ غداً لفي سَقَرٍ حقّاً يَقينـاً تُخلَّدوا..قال الراوي: فضَجَّ الناسُ بالبكاء والنَّوح، ونَشَرت النساءُ شُعورَهُنّ(13)، ووضَعْن الترابَ علي رؤوسهنّ، وخَمَشْن وجوهَهنّ، وضَرَبنَ خدودَهنّ، ودَعَونَ بالوَيل والثَّبور، وبكي الرجالُ ونَتَفوا لِحاهُم، فلم يُرَ باكيةٌ وباكٍ أكثر من ذلك اليوم(14). • وتعود أمّ كلثوم ـ بعد تلك المصائب العظمي، وذلك السفر المُضْني، وتَجدّدِ الأحزان عند المرور بكربلاء علي قبور الأحبّة الأعزّة ـ تعود أمّ كلثوم إلي مدينة جدّها المصطفي صلّي الله عليه وآله وهي حاملةٌ أخباراً حزينةً مؤسفة، وذكرياتٍ مريرة وآلاماً كبري، فإذا لاحت لها معالم المدينة وقفت تخاطبها: مـدينـةَ جَـدِّنـا لا تَقبـلينـا فبالحسـراتِ والأحـزانِ جِينـاألا فـآخبِـرْ رسـولَ اللهِ عنّـا بأنّـا قـد فُجِعْنـا فـي أخينـاوأنّ رجالَنا فـي الطفِّ صرعي بلا رُؤُسٍ وقـد ذَبَحـوا البنينـاوأخبِـرْ جَـدَّنـا أنّـا أُسِـرْنـا وبعد الأسـرِ ـ يا جَدُّ ـ سُبِيناورهطُك يا رسـولَ اللهِ أضْحَوا عَـرايـا بـالطفـوفِ مُسَلّبينـاوقد ذَبَحوا الحسـينَ ولَم يُراعُوا جنابَكَ ـ يـا رسـولَ اللهِ ـ فينافلو نَظَرتْ عيـونُكَ للأُسـاري علـي قَتبِ الـجِمـالِ مُحمّلينـاأفاطمُ لو نَظَرتِ إلـي السَّبـايـا بنـاتكِ فـي البـلادِ مُشـتَّتينـاأفاطمُ لو نَظَرتِ إلـي الحَيـاري ولوأبصَرتِ زينَ العابدينا..(15)المثال الفاخر جعلَ اللهُ هذه المرأة المكرّمة، والسيّدة الصالحة.. نبراساً لنساء الأمّة في: الإيمان والتقوي، والعفاف، والغَيرة علي الدين، والثبات علي المبادئ المقدّسة والقيم السامية، وفي الصبر والتحمّل والأخلاق الفاضلة. فسلامٌ علي أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السّلام، سليلة البيت النبويّ الزكيّ، ومشارِكةِ أسرتها في ملحمة كربلاء العظيمة. 1 ـ الاستيعاب لابن عبدالبَرّ 615:5 ؛ الطبقات الكبري لابن سعد 464:8. 2 ـ ريحانة الأدب 234:6. 3 ـ تنقيح المقال 73:3. 4 ـ أعلام النساء 255:1. 5 ـ الفتنة الكبري لطه حسين 32:2. 6 ـ تشير أم كلثوم رضي الله عنها إلي ما نزل في حفصة وعائشة من قوله تعالي: « وإنْ تَظاهَرا علَيهِ فإنّ الله هُوَ مَولاهُ وجِبريلُ وصالحُ المؤمنين والملائكةُ بعدَ ذلك ظِهَير » ـ يراجع تفسير هذه الآية في سورة التحريم:4. 7 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14:14. 8 ـ أمالي الصدوق 192؛ بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 223:42 / ح 32 ـ الباب 127، عن الخرائج والجرائح للراونديّ. 9 ـ اللهوف في قتلي الطفوف 34. 10 ـ نَفَس المهموم للشيخ عبّاس القمّي 184. 11 ـ الخصائص الحسينيّة للشيخ جعفر التستريّ 187. 12 ـ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزميّ 37:2. 13 ـ أي: نساء أهل الكوفة. 14 ـ اللهوف في قتلي الطفوف 66. 15 ـ المنتخب لفخر الدين الطريحيّ 449 ـ 501 / المجلس العاشر من الجزء الثاني. المصدر: موقع منتديات نور العترة
رایکم
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* التعلیق:
جدید‬ الموقع