رمز الخبر: 199301
تأريخ النشر: 05 February 2013 - 00:00

التقريب بين المذاهب الاسلامية عند الامام الشهيد الصدر

في هذا البحث المقتضب أحاول أن أستعرض اهم الخطوات التقريبية التي خطاها الامام الشهيد الصدر (رضوان اللّه عليه). ومع أن يد الاجرام حرمت منه الامة في وقت مبكر جداً، فلم يتح له أن يمارس دوره الكامل في تطبيق أفكاره ومشاريعه التي منها توحيد الامة وتجميع صفوفها. فان نزراً يسيراً قد عرفناه عن تلك الأفكار والمواقف والتصورات أعطانا رؤية واضحة عن هذا الجانب في موقفه من عملية التوحيد والتمسّك بعري الاسلام والايمان.


في هذا البحث المقتضب أحاول أن أستعرض اهم الخطوات التقريبية التي خطاها الامام الشهيد الصدر (رضوان اللّه عليه). ومع أن يد الاجرام حرمت منه الامة في وقت مبكر جداً، فلم يتح له أن يمارس دوره الكامل في تطبيق أفكاره ومشاريعه التي منها توحيد الامة وتجميع صفوفها. فان نزراً يسيراً قد عرفناه عن تلك الأفكار والمواقف والتصورات أعطانا رؤية واضحة عن هذا الجانب في موقفه من عملية التوحيد والتمسّك بعري الاسلام والايمان. ويجب أن نؤكد مرة أخري علي أنه يجب اعتبار حركة الامام الشهيد الصدر في هذا المجال حركة تتّسم بأهمية خاصة بحيث يحق لها أن تتصدّر الخطوات الايجابية الاخري التي بدرت من علماء المسلمين الواعين من السنة والشيعة، وذلك لما يتمتع به الامام الشهيد الصدر من موقع لدي الشيعة، ولما يمثل من شموخ وتبحّر في عالم المعرفة الاسلامية والبشرية، وكذلك الظروف السياسية والاجتماعية وأجواء الحوزات والمرجعيات التي قد لا تتقبّل انفتاحا كبيراً بهذه الدرجة . وحينئذ يجب أن ندخل هذه الحقائق في حسابنا عند دراستنا لخطواته التقريبية الجادة والهادفة بين المسلمين. إن أهم خطواته العملية والتي تعتبر رائدة في هذا المجال يمكن تلخيصها بمايلي: اولاً- من الملاحظ أن الامام الشهيد الصدر لم يقتصر في مؤلّفاته علي الكتب الشيعية فقط بل اعتمد كذلك علي كتب أهل السنة ومصادرهم معتبراً \\\"الفقه الاسلامي\\\" كياناً واحداً مع مافيه من تعدد الاجتهاد والمذاهب، فمثلاً اعتمد في كتاب اقتصادنا في محاولته لبلورة النظام الاقتصادي الاسلامي علي مجموعة من المصادر الاسلامية السنية، منها: كتاب الاحكام السلطانية للماوردي. وكتاب المغني لابن قدامهوكتاب الأُم للشافعي ،وكتاب المحلي، لابن حزم، والمدونة الكبري، مواهب الجليل للحطاب، ونهاية المحتاج للرملي، والمبسوط للسرخسي ،والفقه علي المذاهب الاربعة. وغيرها من المصادر السنية.ولم يكن (رحمه الله) بصدد نقاش الآراء الفقهية للمذاهب الاسلامية، وإنما كان بصدد اكتشاف هيكلية النظام الاقتصادي الاسلامي.ومع ذلك فنحن لا ننكر أن المصادر وطرق الاستنباط للاحكام الشرعية تختلف بين مدرسة أهل البيت وبين المذاهب الاسلامية الاخري، سواء في القيمة العلمية للرأي الفقهي، او في قيمة وحجة المصادر الروائية والفقهية، ومع ذلك فاننا علي صعيد الواقع ننتهي الي نتيجة واحدة. إن هذا اللون من التفاعل الايجابي والتعامل العلمي يجعل السني يشعر بأنّ لرأيه الفقهي أهمية وموقعاً عند أخيه الشيعي، وكذلك العكس. فيؤدي في النتيجة الي روح التفاعل والانفتاح ويعزز روابط الاخوة، ويصدّع من قوة الحواجز النفسية. ثانياً - أصدر الامام الشهيد الصدر(رضي الله عنه) بياناً وجّهه الي الشعب العراقي (عام 1979م) وكا وقتها محتجزاً من قبل السلطة وذلك قبل استشهاده بعدة أشهر، حمل العبارات التالية: أيها الشعب العظيم، إني أخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهادية، بكل فئاتك وطوائفك، بعربك وأكرادك، بسنتك وشيعتك، لأن المحنة لا تخص مذهباً دون آخر...”. ”وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الامة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني علي السواء، ومن أجل العربي والكردي علي السواء حين دافعت عن الرسالة التي توحدهم جميعاً، وعن العقيدة التي تضمهم جميعاً...”. وفي مقطع آخر يقول: \\\"فأنا معك يا أخي وولدي السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي... إن الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا الي أبنائنا البررة من السنة أن المسألة مسألة شيعة وسنة ليفصلوا السنة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدو المشترك. وأريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر: إن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني، إن الحكم السني الذي مثّله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم علي أساس الاسلام والعدل، حمل عليٌّ السيف للدفاع عنه إذ حاب جندياً في حروب الردّة تحت لواء الخليفة الاول أبي بكر، وكلّنا نحارب عن راية الاسلام، وتحت راية الاسلام مهما كان لونها المذهبي. وكلّنا نحارب عن راية الاسلام، وتحت راية الاسلام مهما كان لونها المذهبي. إن الحكم السني الذي كان يحمل راية الاسلام قد أفتي علماء الشيعة - قبل نصف قرن - بوجوب الجهاد من أجله، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ علي راية الاسلام ومن أجل حماية الحكم السني الذي كان يقوم علي أساس الاسلام...”. ومما لا ريب فيه أن هذه الوثيقة تعتبر من أهم الوثائق التي يمكن أن تساهم في معالجة الحواجز النفسية بين أبناء الامة الاسلامة وذلك لأن السيد الشهيد الصدر حينما أصدر هذا البيان كان قد صمّم علي الاستشهاد في سبيل اللّه لايمانه بأنّ المرحلة الجهادية والسياسية تتطلب ذلك، وقد فصّلنا ذلك في كتاب سنوات المحنة وأيام الحصار الامر الذي يجعل كل باحث موضوعي يدرك أن الامام الصدر لم يقصد المجاملة أو المحاباة بل كان يهدف حقاً الي معالجة مشكلة الفُرقة والتشتت من جانب، وتوحيد الامة في إطار الاسلام من جانب آخر. وإذا لاحظنا جذور أسباب المشكلة نجد أن أهمها هو الموقف من الخلفاء الراشدين، فالمسلم السني يري فيهم مثلاً ونموذجاً جسّد القيم والمبادئ الاسلامية، ويري الشيعي أن اجتهادات بعض الخلفاء أو مواقفهم تنافي الخط الاسلامي الذي يعتقد بصحته ويتمسّك به علي أساس أنه الخط الذي يمثل المسيرة النبوية، ويري مثلاً أن كل اجتهاد في مقابل النص علي إمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) اجتهاد مرفوض لا يحمل قيمة دينية، في حين يري السني أنه جهد علمي اجتهادي للفقيه فان أصاب المجتهد فله أجران وإن أخطأ فله أجر. وعلي هذا الاساس - وهو الجزء الاكبر من العلة - بدأت الحواجز النفسية تتصاعد وتتعمق مدعومة بجهود الحكّام الذين عمّقوها الي أبعد الحدود، وبدأت تنخر في صميم الكيان الاسلامي العام. وما من شك أن علاج هذه القضية يحتاج الي زمن طويل وجهود مكثّفة من الطرفين، إلا أن هذا لا يمنع من التوافق علي احترام كلا الطرفين لعقيدة الآخر وآرائه السياسية وغيرها والوصول ولو الي الحد الادني من الوفاق والتوحّد. وفي هذا الضوء أعتقد أن الامام الشهيد الصدر سار بهذا الاتجاه، فلم يجعل الاختلافات المذهبية مبرراً لعدم التوحّد، فنراه قد اعتبر نفسه وكيانه ملكاً للمسلم السني كما هو للمسلم الشيعي فيقول: \\\"وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الامة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني علي السواء..”. ويقول: \\\"فأنا معك يا أخي وولدي السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي”. ومما لاشك فيه أن لهذا التخاطب الابوي والاخوي أثراً إيجابياً فعّالا في تمزيق الحاجز النفسي وتبديد قوته، فما أجمل أن تجد الامة - بمختلف مذاهبها - قائداً شيعياً بل علماً من اعلامها يخاطب الجميع بروح الابوة والاخوة فيقول: أنا لكم جميعاً. وذكر ثانياً أن الخلاف العقائدي والسياسي في إطار الدين لايجوز أن يحول دون التعاون والتكاتف في سبيل خدمة الاسلام والدفاع عنه. واستشهد لذلك بمثالين: الأول ماكان في صدر الاسلام حيث قال: \\\"حمل علي السيف للدفاع عنه، إذ حارب جندياً في حروب الردة تحت لواء الخليفة الاول أبي بكر...”. وذكر مثالاً آخر من التاريخ الحديث وذلك حينما تعرّض الحكم العثماني لضربات الانجليز فوقف علماء الشيعة الي جانب الحكم العثماني وأفتوا بوجوب الدفاع عنه لأنه رافع لراية الاسلام فقال:\\\"إن الحكم السني الذي كان يحمل راية الاسلام قد أفتي علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجوب الجهاد من أجله وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمعهم رخيصاً من أجل الحفاظ علي راية الاسلام...\\\" لماذا؟ لان الهدف \\\"أن نحارب عن راية الاسلام وتحت راية الاسلام مهما كان لونها المذهبي”. والموضوعية تقتضي أن نعترف أن هذا الخطاب المفتوح والصريح لا يحل مشكلة الخلافات المذهبية بين المسلمين، ولكنه يشكل البوابة الكبيرة التي يمكن الدخول من خلالها والقضاء علي المشكلة النفسية وفتح آفاق الحوار الموضوعي للاتفاق ولو علي الحد الادني من الوفاق والائتلاف. ثم بيّن (رضوان اللّه عليه) أن من أهم أسباب تعميق الخلافات وتهويلها هو الاتجاهات السياسية والقادة الذين تحكمهم مصالحهم الخاصة فقال: \\\"إن الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا الي أبنائنا البررة من السنة أن المسألة مسألة شيعة وسنة ليفصلوا السنة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدو المشترك، وأريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين، وأبناء أبي بكر وعمر: إن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني..”. ومن المؤكّد أن الامام الشهيد الصدر قد لا يؤمن بالكثير من اجتهادات الصحابة أو مواقفهم من مختلف القضايا ويعتبرها اجتهاداً في مقابل النص والتي منها:الموقف من قضية النص علي إمامة أمير المؤمنين علي(عليه السلام) بعد النبي (صلي الله عليه وآله)، فهـــو يعتقد أنه الوريث الحقيقي للنبي، والحارس الامين لمسيرة الاسلام من بعده. إلا أن هذا الاعتقاد لم يجعله في موقف الرافض للكيان الآخر، ولم ير في ذلك مبــــرراً لعدم توحّد الامة تحت راية \\\"لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه\\\" العقيدة التي أجمعت الامة علي الايمان بها. والحارس الامين لمسيرة الاسلام من بعده. إلا أن هذا الاعتقاد لم يجعله في موقف الرافض للكيان الآخر، ولم ير في ذلك مبرراً لعدم توحّد الامة تحت راية \\\"لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه\\\" العقيدة التي أجمعت الامة علي الايمان بها. ثالثاً - كَـتَب السيد الشهيد الصدر(رضي الله عنه) في أوائل شبابه بحثاً عن فدك أسماه فدك في التاريخ عالج فيه قضية فدك علاجاً موضوعياً فريداً. لم يستعمل (رضي الله عنه) عبارات من شأنها جرح عواطف ومشاعر السنة، فنراه يعبّر عن الخلفاء بعبارات مناسبة اعتادوها عند ذكرهم لهم، راجع علي سبيل المثال الصفحات التالية من فدك في التاريخ، 26، 44، 59، 73، 150، وهو يريد أن يعبّر عن الاسلوب الامثل في كيفية التخاطب بعيداً عن كل ما من شأنه تفريق المسلمين أو جرح مشاعرهم أو الاساءة الي معتقداتهم. وأعتقد أن أسلوب الامام الشهيد الصدر في المعالجة استكمل الشروط الموضوعية والاخلاقية إضافة الي ما اتسم به من شفافية وانفتاح، وفوق ذلك كله الخلق الرفيع الذي من شأنه تحطيم أقوي الحواجز والعقد النفسية التي كانت ولاتزال تشكّل أكبر عقبة في طريق توحيد أمة التوحيد. هذه إلمامة سريعة ومتقضـــبة عن خطوات للامام الشهيد الصدر، وهـــــي وإن كانت مقتضبــة ومحدودة بحكم الفترة الــــزمنية القـــليلة التي عاشها الشهيد إلا أنـــــها تكشف عن أفق رحب في إطـار الســــعي لتـوحيد الامة الاسلامية. إن دارسة هذا الجانب من فكر الامام الشهيد الصــدر تحتاج الي قدر من الشـمولية والتوسّــع لتكون دراسة مستوفية وشـاملة نستــــــقصي فيها جميع الخطوات التي بـــدرت منه في مجال التقريب وتوحيــد الامة، والمفروض أن يتصدّي لذلك أهل الاختصاص والمعرفة لأننا اليوم بأمس الحاجة الي من يجمع كلمتنا ويوحّد صفوفنا . الشيخ محمد رضا النعماني
رایکم
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* التعلیق:
جدید‬ الموقع