احدث خبر:
رمز الخبر : ۳۸۵۴۹۸
۰۰:۰۵

۴/ربیع الاول/۱۴۴۷
حديث التقريب..

الفن والتقريب

شيعت الجماهير في مدينة اصفهان (وسط البلاط) الأسبوع الماضي الفنان الكبير رائد رسم المنمنمات العالمي الاستاذ محمود فرشچيان، وكان تشييعًا مهيبًا شارك فيه مختلف الاطياف والاتجاهات والمذاهب في تعبير عن دور الفن في التقريب بين البشر.


والمعروف عن هذا الفنان الكبير أنه (عارف) بالمعنى الحقيقي للعرفان أي الذوبان في الجمال وخلق آثار جميلة لا يمكن أن يخلقها إلاّ من عشق الجميل المطلق سبحانه وتعالى.

لوحاته العالمية المستوحاة من قصص الأنبياء ومن الملحمة الحسينية (ظهور عاشوراء)، وفنونه الرائعة المبهرة في صناعة ضريح الإمام علي(ع) والحسين بن علي(ع) تفصح بما لا يقبل الشك أنه تحرر من الانشداد البهيمي بالمال والمتاع، وراح ينشد خلق الآثار الفنية العالمية استجابة لشوقه الشديد إلى الجمال.

يتميز الفن بأنه الإبداع الإنساني الذي يبحث عن الجمال ويحاول أن يصل إليه.

وماهو الجمال؟ ولماذا تميل النفس الإنسانية إلى الجمال؟ وكيف يلبّي الفن هذا الميل الفطري الإنساني؟ الإجابة على هذه الأسئلة يقرّبنا من فهم الصلة بين الفن والعرفان.

لا نرانا بعيدين عن الحقيقة إذا قلنا إن ارتباط الإنسان بالجمال ارتباط ميتافيزيقي أو غيبي بالتعبير الإسلامي، «لذلك حيّر الجمال عبر تاريخ البشرية، المفكرين والفلاسفة، والأدباء، والفنانين وعلماء النفس، والناس بشكل عام. وتعددت تفسيراته بتعدد المنطلقات الفلسفية والنقدية والإبداعية والعلمية والإنسانية له، تلك التي حاولت تفسيره، أو الإحاطة بمظهره ومخبره، وظلّ الجمال يروغ دوماً من كل التفسيرات، ويقف هناك في الظل أو النور متألقاً وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة تشبه ابتسامة الموناليزا، تلك التي حيّرت الملايين منذ قرون عدة، ولا تزال تحيّرهم ، كل ما استطاع هؤلاء أن يقوموا به هو أن اقتربوا منه، وأن يقفوا على مسافة ما منه ثم يتأملوه».

من هنا فالإنسان لا يستطيع أن يفهم كنه الجمال بل يستطيع أن يقترب منه، وأن يملأ نفسه بالراحة واللذة في هذا الاقتراب. تماماً نفس الشيء الذي يقال عن «الذات الإلهية» لا يمكن فهم كنهها، بل يمتلئ الإنسان بالطمأنينة واللذة في القرب منه.

هذه الظاهرة يستطيع الفكر الديني والعرفاني أن يفسّرها على النحو التالي :-
الإنسان مفطور على الحركة نحو الله : [يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه - إنّا لله وإنا إليه راجعون].
وهذه الحركة ليست مكانية، بل جوهرية تكاملية. والله هو الكمال المطلق، والجمال من قيم الكمال، فالله هو الجميل المطلق، والجميل من صفات الله.

من هذه المقدمة نفهم أن الفنان :-
1ـ هو الذي يعشق الجمال مثل كل إنسان، ولكنّ الناس كثيراً ما تصدّ حركتهم إلى معشوقهم الحقيقي أو إلههم الحقيقي آلهةٌ سرابية، وأفظع هذه الآلهة الذات، أو »الهوى« بالتعبير القرآني : أرأيت من اتخذ إلهه هواه ؟!

أما الفنان المبدع فقد تجاوز هذه الآلهة، وتغلب على ذاتياته وانطلق في مسيرة لا حدّ لها نحو المطلق.

2ـ إن الفنان إذ يخلق من الأصوات أو الكلمات أو الموادّ جمالاً أخّاذاً فإنه يرى في هذا الجمال الأرضي ما يزيد أشواقه إلى الجمال المطلق ويوثّق ارتباطه به. وهذا هو الشوق الذي عبّر عنه أفلاطون بقوله: حين يرى الإنسان الجمال الأرضي فيذكره بالجمال الحقيقي وعندئذ يحسّ المرء بأجنحة تنبت فيه وتتعجل الطيران، لكنه لا يستطيع، فيشرئب ببصره إلى أعلى كما يفعل الطائر ويهمل موجودات هذه الأرض.

3ـ الفنّ مما تقدم وليد حركة نحو الجمال المطلق يودع فيه الفنان مشاعره وأحاسيسه وروحه، من هنا يرتبط الفن بالمكون الجمالي Aesthetic أكثر من ارتباطه بالجمال Beauty بالمعنى  الحسّي فقط.  و«المكون الجمالي» هو ذلك الشعور الخاص الذي ينبعث بداخلنا عندما نتعرض للأعمال الفنية خاصة والجمالية عامة أو نتلقاها، فتحدث فينا تأثيراتها المتميزة والتي غالباً ما تكون سارّة، وإن كان هذا لا يستبعد وجود مشاعر وانفعالات مصاحبة للخبرة الجمالية مثل الشعور بالاكتشاف والتأمل والفهم، والشعور بالغموض، وحب الاستطلاع.

ثم إننا من منطلق التقريب ندعو الفنانين من مختلف العالم أن يتعاونوا من أجل نشر ثقافة الجمال وأجواء الجمال في الساحة البشرية لوقايتها مما نراه اليوم من صور القتل والدمار وإهلاك الحرث والنسل، خاصة على يد الصهاينة المجرمين.

المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية 


تقرير الخطأ

إرسال تعليق
تصميم الموقع:"إيران سامانة"