نوید شاهد: انه كان "محمدا البروجردي" وكان الجميع يعرفه باسم "ميرزا". انه كان من "اللور" وكان من اهالي قرية "دره كرك" في مدينة "بروجرد". وانتقل من هناك الى العاصمة حيث سكن في احياء شارع "مولوي" برفقة والدته وشقيقته واخوته. كان ذات قامة طويلة وشعر اشقر ووجه عريض كما كانت العيون الزرقاء في وجهه قد تلفت الانظار اليه.
سرعان ما شاهد "بيكر" السرعة والدقة في وجود هذا الشاب اكثر من اقرانه. انه كان شابا يافعا يصلح المواد لكي يستخدمها في الحصير المطرزة.
كان "بيكر" يشاهد بانه "ميزرا" كان كيف ينتبه الى ماكنة خياطة الحصير ويخيط الحصير المطرزة بدقة. انه كان فرحا من مشاهدة هذا الروح والمثابرة. انه كان يظن بان حصل على عامل جيد. ان وجود "ميرزا" قد جعله يقبل بان يلبي طلبات اكثر. غير ان سلوكه كان يزعج "بيكر". ان "ميرزا" كان يصلي كما كان يتفوه بكلمات عند الاستراحة بحيث تزعج "بيكر" سيما وانه كان يتجه الى مسجد فخر اباد لاداء فريضة الصلاة.
لم يكن "بيكر" بانسان لا يستوعب الامور بل انه كان قلقا تجاه مستقبل "ميرزا". انه كان يخاف بان "ميرزا" يطرد من المعمل ويقبع خلف اسوار الحديد في السجون. ان "ميرزا" لم يكن بذلك الشخص الذي يقول لكل شي سمعا وطاعة. انه كان يعرف معنى الحق والباطل ويقف في وجه المستكبرين. ان "بيكر" كان يخاف بان يقع "ميرزا" نفسه في ورطة. ان توقعاته لم تخالف الواقع في ذلك اليوم قام "ميرزا" بعمل يثبت بان ظنون "بيكر" كانت في محلها.
كان في ذلك اليوم العمال يعملون حيث دخل عليهم طفل في السابعة او الثامنة من العمر, دخل في المعمل. لم يعرفه احد لكن كان واضحا بانه مثير ومشاكس. التفت "حسن" حيث كان جالسا خلف الماكنة وسأله: ماذا تريد؟ ابتسم الطفل والقى بنفسه على الحصير الناعم. التفت "ميرزا" نحو "حسن" قائلا له اتركه وشانه انه طفل دعه يلعب.
بعد لحظة بدأ الطفل بتخريب كل ما يراه امامه حاول "علي محمد" وهو الشقيق الاكبر لـ "ميرزا" بتهدئته لكن الطفل لم يستكين ولم يترك افعاله. فترك كل العمال اعمالهم وبدأوا ينظرون اليه. قام "حسن" من خلف ماكنته ومسك بيد الطفل وقال اخرج يا صبي انك دمرت المعمل.
ان الطفل قاوم وفجأة عض يد حسن. قام حسن بصفعه لكنها كانت صفعة غير شديدة. ان الطفل ترك المعمل وهو يبكي لكن لم تمر ساعة حيث دخل رجل ذات سواعدة ملتوية في المعمل. كان الجميع يعرفه انه عبد الله القصاب انه رجل مشاغب في الحي ان العمال تركوا اعمالهم ونظروا اليه. ان عبد الله القصاب صرخ بصوت عال سائلا الطفل: من الذي ضربك يا بني؟
ان الطفل كان ييحث عن حسن لم يكن حسن في المعمل وكان علي محمد جالسا مكانه. ان الطفل اشار اليه باصابعه وقال: ذلك هو من ضربني.
ترك عبد الله القصاب يد الطفل واتجه نحو علي محمد. لم يترك له المجال لكي يتكلم فصفعه. ان علي محمد لم يكن برجل مشاغب كما كان يعرف عبد الله القصاب جيدا. اطرق رأسه. لكن ميرزا نظر بغضب الى عبد الله القصاب قائلا: لماذا ضربته؟
ضحك عبد الله القصاب وقال: لانني اشتهيت ذلك هل هناك من احتجاج؟
ان ميرزا قام من خلف ماكنته وكان يرتجف من شدة الغضب. نظر اليه عبد الله القصاب بهدوء. كان ميرزا ماسكا عصا ضخيمة يستخدمها في صناعة الحصير ووقف في وجه عبد الله القصاب ضحك عبد الله بصوت مرتفع هذه المرة وقال: انك صغير الحجم يا صبي.
هذه الجملة كانت تكفي لكي يضرب ميرزا عبد الله على راسه انه قام بهذا العمل بسرعة البرق حيث لم يترك المجال لعبد الله القصاب كي يتالم. ان الدم صار يسيل من راسه. لم يكن ليصدق ان صبيا كما يطلق عليه, يضربه بضربة قاضية يحيث لم يتجرا ان يضربه عمالقة الحي. ضرب ميرزا عبد الله ثانية في كتفه ولم تمر لحظات الا واتجه نحو ميرزا علي محمد ورفاقه قاصدين عبد الله القصاب ليضربوه فلاذ عبد الله القصاب بالفرار لانه لو لم يفعل هذا ولو لم يصل بيكر فجاة لكان ميرزا يقتله في الشارع وامام ناظري الناس.
صحيح إن عبد الله قد لاذ بالفرار ولم يعد لكن لم يترك بيكر المعمل حتى للحظة من الزمن خوفا من رجوع عبد الله القصاب برفقة رفقائه المشاغبين وان يعبثوا بالمعمل. لكن عبد الله ترك فكرة الانتقام حياءا وخجلا. لكن كان الشغل الشاغل لـ بيكر هو ميرزا خوفا من وقوفه في وجهه في يوم من الأيام لهذا كان يحاول إن يمزج بين الحق والباطل عند ميرزا وكان دائما يفكر في انه لا بد من الخوف من هذا الشاب اللوري وان لا يقول له قولا زورا.
يا ليت انتهت القضية عند هذا الحد وطويت ملفها لكن كلما تمر الأيام كان القلق يزداد عند بيكر ولاسيما كان ميرزا يذهب في ليالي الجمعة إلى مفترق طرق مولوي الواقع في مسكر آباد في مدينة طهران كي يستمع إلى دروس العالم الديني الذي كان يسمى السيد الشيخ عبد الله. لكنه كان من الرجال الدين المناهضين لحكومة البهلوي المتمثلة في الشاه. كان العالم الديني يقوم بتدريس أصول العقائد وتفسير نهج البلاغة. كانت تقام هذه الجلسات بصورة خفية وبعيد عن أنظار الآخرين. إن ميرزا قام بجعل علاقة بين زوج خالته و السيد الشيخ عبد الله ولم يمر وقتا طويلا حتى تحول ميرزا إلى أفضل طلاب دروس الشيخ وأبرزهم. إن ميرزا كان يعبر عن روحه التواقة إلى اكتساب العلم وظمأه إلى وجدان العلم وذلك عبر الأسئلة التي كان يطرحها على الشيخ. لأنه كان يعرف خبايا مفهوم العدالة الاجتماعية وذلك عبر الأسئلة التي كان يطرحها حول نهج البلاغة حيث تعلم بأنه لا بد إن نقف في وجه الظالمين والمستكبرين.
ان اختيار مرجع التقليد بالنسبة لبروجردي كانت تمثل خطوة هامة التي تم انجازه ثم شعر بروجردي وبعد القيام بهذه الخطوة بان في تلك الفترة كان هناك خلف الحدود يجلس رجل كبير السن عالم دين وعارف في مدينة النجف العراقية. تم نفيه من بلاده وهو يعيش منذ فترة في الغربة لانه ممنوع من الرجوع الى بلده. ان ميرزا ومنذ ان قرر ان يقلده لم يهدأ له بالا ولا يعرف السكينة فكانت اسئلة تطرح امام ناظريه حول سبب نفيه ولماذا حدثت الـ 15 من خرداد والعشرات من الاسئلة كان يوجه الى السيد الشيخ عبد الله وكان يجيب عبد الله على الاسئلة تلك لكنه كان يقول بان لا تذكر اسمي ابدا اما في الاجتماعات يكفيك ان تقول السيد بدل آية الله الامام الخميني.
بعد تلك الحادثة اتخذت حياة ميرزا طابعا جديدا انه كان يفكر في التخلي عن العمل في معمل بيكر اليهودي وان لا يعمل ليهودي وهو مسلم مؤمن بدينه, فبدا باظهار معارضته وكان يبحث عن ذريعة كي يترك المعمل. كان يظن علي محمد ووالدته بان هناك حالة نفسية يعاني منها ميرزا. كان بيكر يقول بانه من الافضل ان يتزوج ميرزا لان الزواج يهدأ من روعته وشغف الشبيبة الذي اصيب به. ان الام بدات بالعمل. فعليها منذ الان فصاعدا بان تنظر الى بنات الاقرباء والجيران بنظرة دقيقة. لكن جهود الام بائت بالفشل. اخيرا تزوج ميرزا في فرودين عام 1352 من السنة الايرانية (مارس 1973) مختارا بنت خاله كزوجة له.
كان الفرح يغمر وجود بيكر فانه كان اكثر الناس سعادة. لانه كان يظن بان ميرزا يضطر بالبقاء في المعمل والعمل هناك لكن ميرزا لم يكن يفكر لا في العمل ولا في بيكر. لم تبق عدة شهور على انتهاء الخدمة العسكرية بيد انه كان قد قال مرارا وكرارا لوالدته وشقيقه بانني لم اقدم خدمة لللشاه.
كان يعرف هذا الامر جيدا لكن ليس باليد حيلة ولابد من قضاء العسكرية فقام بتقديم نفسه في الصيف من ذلك العام الى مركز الدرك وهو محزون غضبان لكنه كاظم غيضه.